هاشتاغ _ ناديا مبروك (القاهرة)
قبل سنوات؛ جاء الشاب السوري قصي أسامة إلى مصر هرباً من الحرب الدائرة في سوريا، إلا أن بعده عن الأرض التي تركها مجبراً في فترة مراهقته زاد تعلقه بها، ومع اقتراب موعد زفافه بدأ البحث عن فرقة للعراضة أحد أبرز مظاهر الاحتفال السورية في مصر.
يقول أسامة “جئت إلى مصر قبل 9 أعوام، وكان عمري 16 عاماً، ورغم عدم اهتمامي بالتقاليد والعادات السورية في موطني، إلا أن غربتي جعلتني أعشق كل شيء على الطريقة السورية، وكان من بينها عرسي، حيث قررت أن يكون على الطريقة السورية سواء في العراضة أو الإنشاد أو حتى في الزي السوري التقليدي.”
والعراضة هي استعراض سوري اشتهر في الشام القديمة، يضم إنشاد الأهازيج باللهجة السورية على أنغام الدفوف، وأداء رقصات بالسيوف والمشاعل والأعلام.
للمنطقة العربيةزحيث ترتبط في الأساس بفكرة تلبيسة العريس، أو استعداد العريس للعرس وارتداء ثياب العرس، حيث كان شباب الحي يجتمعون لأداء الأهازيج للاحتفال بالعريس، ثم تحولت لفرق كاملة.
ورغم أن العراضة بالأساس للأعراس، إلا أنها استخدمت تراثياً في مواجهة الاحتلال الفرنسي، حيث كان يجتمع أهالي الحي لمواجهة القوات الفرنسية، ويقوم الشباب بإنشاد الزجل الوطني الحماسي.
حواري الشام القديمة
علاء قصار أو “أبو ماهر” كما يطلق عليه أصدقائه، واحد من أبناء الشام القديمة، رحل من سوريا إلى تركيا في عام 2012، وفي افتتاح أحد المطاعم قرر مجاملة صاحبه فقام بتأدية فن العراضة.
بعدها جاءته الفكرة ليؤسس فرقته الخاصة “النسور الدمشقية” للعراضة كمصدر للرزق، وبالفعل قدم عروضا في اليونان والإمارات وتركيا قبل أن يستقر في مصر في 2017، ويؤسس فرقته الخاصة.
يقول علاء لـ “هاشتاغ” إن “أبناء الشام القديمة تربّوا على فن العراضة، وأنا شاركت في تأدية العراضات منذ صغري لكن لم أحترفها كعمل”.
وأضاف: هو جزء من التراث الشامي ونؤديه في كل المناسبات سواء الأفراح أو استقبال الحجاج وأي احتفال، وحتى في المآتم هناك عراضة مناسبة لذلك، فهو فلكلور يشكل جزءا من الهوية السورية، لذلك يحافظ عليه السوريين وخاصة أبناء الشام القديمة.
وأوضح علاء أن “انتشار مسلسلات الحارة السورية القديمة مثل “باب الحارة” و”أهل الراية” وغيرها ساهم في انتشار فن العراضة، والتعريف بها في مختلف دول العالم.
بالإضافة إلى حرص الجاليات السورية إلى تأدية هذا النوع من الفن في كافة الاحتفالات، فانتشرت العراضة في مصر والأردن وتركيا وألمانيا وكافة الدول التي تضم جاليات سورية”.
وحول مصدر الأشعار التي يتم التغني بها في العراضة يقول علاء إن “مصدر الأهازيج غير معروف، فهي متوارثة، إلا أن هذا لا يمنع من إضافة أهازيج جديدة.
مشيراً إلى أنه أضاف المزمار البلدي والتنورة لعروض العراضة من أجل الجمهور المصري، لأن العراضة جذبت فئات من المصريين”.
فلكلور متوارث
أما أبو رائد القابوني، وهو مؤسس فرقة “السيف الذهبي” للعراضة فيختلف عن علاء في أنه ورث فن العراضة عن والده، وعمل بفرقته الخاصة في سوريا قبل أن يضطر إلى الانتقال مع أسرته إلى مصر هرباً من الحرب.
يقول القابوني في حديثه ل”هاشتاغ”: “عائلتي من أقدم العائلات السورية في فن العراضة، والدي كان مؤسس فرقة ورثتها عنه، ولكن مع ظروف الحرب تفرق أعضاء الفرقة ما بين تركيا ومصر وسوريا نفسها، ومع انتشار الجالية السورية في مصر كان لابد من تواجد فرق مماثلة للسوريين في مصر”.
وأوضح القابوني أن “العراضة لها أصول، منها زي الفرقة الذي لابد أن يكون الزي الشامي التقليدي من سروال أسود واسع، مع صدرية مقصبة وطاقية و حطة أو شال يوضع على الكتف، وحزام خاص للخصر، لأن هذا الزي هو جزء من الاحتفال، وبدونه لن تكتمل العراضة”.
ويرى القابوني أن “سر انتشار العراضة في الدول التي بها جاليات سورية يعود لرغبة السوريين أنفسهم في عدم ضياع هويتهم، لذلك فهم يتمسكون بكل العادات والمظاهر التقليدية السورية حتى وإن لم يتمسكوا بها في وطنهم”.
وحول التغيرات التي طرأت على العراضة في مصر، يقول القابوني إن التغيرات ليست في مصر فقط وإنما في خارج سوريا، فاغتراب السوريين جعلهم أشد حباً لوطنهم، مما أضاف إلى الأهازيج المعتادة عن الكرامة والرجولة أهازيج عن الوطن وحبه.
تلبيسة العريس
أما أبو العز الصالحاني، مؤسس فرقة “سيف السلطان” فقد جاء إلى مصر وهو لا يعلم كم تطول مدة غيابه عن أحياء الشام القديمة التي عشقها.
استقر بمحافظة الإسكندرية قبل أن يبدأ في إحياء تراثه السوري خشية اندثاره، فجمع 10 شباب سوريين ودربهم ليؤسسوا الفرقة.
يقول الصالحاني: “جئت بالزي التقليدي للعراضة أو ما يعرف بالخيالة من سوريا لأنني لم أجد في مصر مثله، رغم كونه منتشرا في الدراما السورية خاصة تلك التي تتحدث عن الشام القديمة”.
ويضيف الصالحاني أن الفرقة تتكون من قائد وفريق يلتفوا من حوله، ويقوم القائد بترديد الأهازيج والوصف ويرد عليه باقي أعضاء الفرقة، كما يقوموا بضرب الدفوف.
ويوضح الصالحاني أن العرس في سوريا له تقاليد كانت هي السبب في نشأة العراضة، فالعرس بذهاب العريس للحمام وبعدها ما يعرف بتلبيسة العريس، حيث يرتدي العريس ثياب العرس، ويقوم شباب الحارة أو الحي بزفه من الحمام أو منزله على منزل العروس.
مرددين أهازيج على أنغام الدفوف، ولا يمنع من وخزه بـ الدبابيس (هراوات) كنوع من المداعبة.
ويلفت الصالحاني إلى أن العراضة انتقلت من الأعراس لباقي المناسبات مثل استقبال الحجاج، وافتتاح المحلات، ولكل مناسبة الأهازيج المناسبة لها.