الإثنين, نوفمبر 18, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخبارسوريا وتركيا.. هل ينجح العراق حيث فشل الآخرون؟

سوريا وتركيا.. هل ينجح العراق حيث فشل الآخرون؟

هاشتاغ- عبد الرحيم أحمد

أن يعلن رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني في تصريحات لمحطة إعلامية تركية قبل أيام عن مبادرة عراقية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، فهو إعلان يوحي أن المبادرة أصبحت أمراً واقعاً، وأن الجانبين السوري والتركي موافقان عليها وربما تم قطع شوط في لقاءات غير معلنة بين المسؤولين السوريين والأتراك.
فهل ينجح العراق في إحداث خرق في جدار الخلافات السورية التركية المستعصية بعد أن تعثرت الجهود الروسية التي أطلقها الرئيس فلاديمير بوتين أواخر العام 2022 قبيل الانتخابات الرئاسية التركية؟

جهود روسية لم تسفر عن أي نتائج..

روسيا الشريك الاقتصادي الكبير لتركيا استضافت اجتماعات رفيعة المستوى لمسؤولين سوريين وأتراك على مستوى وزراء دفاع البلدين في كانون الأول 2022، ووزراء الخارجية في العاشر من أيار 2023 لكنها فشلت في انتزاع “التزام رسمي” من الجانب التركي بسحب القوات التركية من سوريا كبداية لحوار موثوق.
ألكسندر لافرنتييف مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا كشف في مقابلة صحافية مطلع العام الجاري أن..”الأتراك يعلنون إعلاناً غير رسمي أنهم مستعدون لذلك ولا ينوون الإبقاء على أي وحدة عسكرية لهم، وفي ظل الظروف المناسبة، سيكونون على استعداد للانسحاب”، لكن ما الظروف المناسبة ومن يحددها؟
ومنذ أن فاز الرئيس رجب طيب أردوغان في الانتخابات الرئاسية التركية التي جرت في أيار 2023، تراجع الحماس التركي لمصالحة دمشق في مؤشر على أن أردوغان كان يهدف من الحوار إلى تحقيق مكاسب انتخابية فقط.

لماذا العراق.. أي ميزة يمتلك؟

يُحسب للعراق أنه استطاع وضع الأرضية المناسبة لتسوية الخلافات السعودية الإيرانية والتي تُوجتها وساطة صينية بتوقيع اتفاق إعادة العلاقات بين البلدين في العاصمة بكين آذار 2023 بعد 7 سنوات من القطيعة السياسية والدبلوماسية.
لكن الأمر يختلف بين دمشق وأنقرة في ظل وجود قوات تركية تحتل مساحات ليست قليلة شمالي وشمال غربي البلاد ناهيك عن دعم أنقرة للجماعات الإرهابية التي تحارب الجيش السوري منذ 13 عاماً.
وعن هذا الأمر يقول الدكتور محمد نور الدين أستاذ التاريخ واللغة التركية في الجامعة اللبنانية لـ هاشتاغ: “ليس واضحا بعد أسباب التحرك العراقي”، لكن الدور الذي أدته بغداد في التمهيد للمصالحة السعودية الإيرانية يختلف عن الوساطة بين دمشق وأنقرة.
ويرى الباحث اللبناني المتخصص في الشؤون التركية أن الدور العراقي بين السعودية وإيران كان لتوفير “تسهيلات لوجستية ليس إلاّ. في حين الوساطة الأساسية كانت للصين”، أما فيما يخص سوريا وتركيا فالأمر مختلف ولا يحتاج إلى “توفير تسهيلات لوجستية” فالمسؤولون السوريون والأتراك التقوا مرات عدة في روسيا على مستوى وزراء الدفاع والخارجية وكانت النتيجة “صفراً” لأن المشكلة ليست في اللقاء ولا في المكان بل في “النية الحقيقية للجانب التركي الذي دخل هذه المصالحة لغايات دعائية وانتخابية داخلية”.

لا مكان للتفاؤل..ملفات متشابكة ومعقدة

إن حجم الملفات العالقة بين أنقرة ودمشق سواء ما يتعلق منها بالأكراد والتنظيمات الإرهابية والوجود الاحتلالي التركي “كبير ومتداخل ومعقد إلى درجة أنه يصعب التفاؤل في إمكانية إحداث حلحلة”، بحسب نور الدين وخصوصاً أن “الجانب العراقي لا يملك أي ميزات تؤثر في المفاوضين بخلاف موسكو التي تملك الأوراق المؤثرة كلها لإنجاح المصالحة. ومع ذلك لم تنجح في مسعاها”.
هذا الشعور يشاطره إياه الباحث السوري المختص بالشأن التركي أحمد الإبراهيم، الذي يقول لـ “هاشتاغ”: “لا يمكن لمطّلع على تصريحات المسؤولين الأتراك، وللعارف باللغة التركية أن يتفاءل فيما يخص المصالحة بين أنقرة ودمشق”، في ظل استمرار وجود حزب العدالة والتنمية في السلطة في تركيا.
ويرى الإبراهيم أن “اللغة العدائية” ما زالت موجودة بشكلٍ واضح في التصريحات التركية من أردوغان وصولاً إلى أصغر مسؤول في حزبه، فلا يزال هؤلاء المسؤولين يتحدثون عن “النظام” وليس عن الدولة السورية.

مطالب دمشق محقة وغير مستحيلة

يرى الباحث نور الدين أنه إذا كان المطلوب البدء من نقطة ما تكون بمنزلة خريطة طريق للمصالحة بين أنقرة ودمشق فهو ما طرحه المسؤولون السوريون وعلى رأسهم الرئيس بشار الأسد ووزير الخارجية فيصل المقداد من وجوب “تعهد تركيا أولاً بالانسحاب من الأراضي السورية التي تحتلها ووقف تدخلها في الشأن الداخلي السوري” وهي مطالب “غير مستحيلة” فهي لا تطلب “الانسحاب الفوري” ولكن على الأقل “إبداء الاستعداد لذلك ضمن خريطة طريق يتفق عليها ولا تتضمن أي شرط أو بند يمس بالسيادة السورية ووحدة أراضيها ومجتمعها. وهذا الأمر حتى الآن لا يبدو في الأفق”.
وكان المقداد قد أعلن الأسبوع الماضي في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الإيراني في دمشق رداً على سؤال يتعلق بالمصالحة مع أنقرة.. “الشرط الأساسي لأي حوار سوري تركي هو أن تعلن الدولة التركية استعدادها للانسحاب من أراضينا التي تحتلها” لأن استمرار الاحتلال التركي للأراضي السورية ودعم التنظيمات الإرهابية “يتناقض مع أي جهود تبذل من أجل تطبيع العلاقات بين البلدين”، بحسب المقداد.
بالمقابل يعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر قبل أسبوعين تقريباً أن بلاده “على استعداد لتقديم كل الدعم الممكن فيما يتعلق باعتماد دستور شامل، وإجراء انتخابات حرة، والتطبيع على نطاق واسع، وضمان بيئة آمنة (في سوريا) فقط بعد أن يتم ذلك وتكون حدودنا آمنة تماما سنكون قادرين على النظر في انسحاب (القوات) إذا لزم الأمر”، وهي لغة فيها تدخل في الشأن الداخلي السوري وتهرّب من الالتزام بالانسحاب.
ويقول الباحث أحمد الإبراهيم إن الأتراكما زالوا يصرون على فرض شروطهم على دمشق عند الحديث عن تطبيع العلاقات معها ويضعون “شروط إعادة صياغة الدستور، وإعادة الانتخابات، وكلها تصب في خانة التدخل في الشؤون الداخلية السورية.”

أردوغان هو العقبة .. لا يريد المصالحة مع سوريا

يجزم الخبير في الشأن التركي نور الدين “أن وجود أردوغان في السلطة عامل حاسم في عدم التوصل إلى مصالحة مع سوريا“، فهو تصالح مع الجميع من “إسرائيل” إلى السعودية والإمارات ونسبيا مع العراق لكن تركيا لم تتصالح مع سوريا.
وبحسب نور الدين فإن أردوغان “لا يريد المصالحة مع سوريا” فهو ينطلق في التعامل معها من “أيديولوجيا عثمانية تقوم على استعادة ما يعرف بحدود “الميثاق الملّي” لعام 1920″ والذي كان يضم الشمال السوري ضمن الحدود التي أقرها ورسمها البرلمان العثماني حينها لذلك فممارسات تركيا في المناطق التي احتلتها في الشمال السوري تقوم على “سياسات تتريك شاملة وتغيير ديموغرافي من أجل إدامة الاحتلال إلى الأبد كما كان الحال مع لواء الإسكندرون”.
يتفق الإبراهيم مع هذا التحليل فيقول “طالما أردوغان أو حزب العدالة والتنمية في السلطة لن تنسحب تركيا من سوريا”. ويضيف أن الأتراك يريدون تطبيع العلاقات مع سوريا على أنها “ولاية عثمانية اسمها “ولاية سوريا”، وليس مع دولة مستقلة ذات سيادة. فأردوغان ما زال حتى الآن يتحدث عن أن “جنوده حتى اللحظة لم يقاتلوا خارج حدود تركيا، وهو في ذلك يقصد حدود الميثاق الملّي عام 1919 الذي ألغته اتفاقية لوزان عام 1923”.

هل تصلح اتفاقية أضنة أرضية محتملة للمصالحة؟

وقّعت سوريا وتركيا اتفاقية أضنة عام 1998 وذلك في أعقاب توتر بين البلدين وتضمنت الاتفاقية التزامات للطرفين لضبط الحدود ومنع التهديدات العابرة للحدود، لكن نور الدين يرى أن الاتفاقية “كانت صالحة في وقتها” ويمكن أن تشكل “مجرد بداية للعودة للتفاوض والمصالحة” لكن يجب أن “تستبدل” باتفاقية تبعد التهديد التركي عن سوريا مستقبلا وأن تكون أي “اتفاقية أمنية متوازنة في إجراءاتها وتدابيرها وضماناتها.”
ويعتقد الإبراهيم أنه “يمكن العودة إلى هذا التفاهم” كأرضية للحوار والتفاهم وهو ما تلحّ عليه موسكو باستمرار.

متى تتخلى تركيا عن أطماعها في سوريا؟

قال لي أحد الصحافيين القبارصة قبل بضع سنوات في أحد اللقاءات بعد أن سألني عن الأوضاع في سوريا.. عليكم أن تتحضروا لمعركة طويلة جداً مع الأتراك فهم لم يدخلوا أرضاً ليخرجوا منها وما جرى في قبرص مثال واضح.
ويقول الباحث نور الدين أن “التدقيق في الممارسات التاريخية والمطامع المستجدة و”أطلسية تركيا” تدفع بنا إلى التشكيك الكامل بنيات أنقرة في سوريا وأطماعها هناك.
في حين يرى الإبراهيم أن “تركيا لم ترسم حدودها النهائية بعد. وكما يقول أردوغان في أكثر من تصريح: “لدينا حدود فيزيائية، نحترمها ونحافظ عليها، غير أن هذا لا ينسينا حدودنا القلبية التي نسعى إلى تحقيقها” وحدود تركيا القلبية بحسب اردوغان، تشمل الأراضي كافة التي كان يحتلها الاحتلال العثماني.

لا سلام مع تركيا في ظل وجود خليفة السلطان

يخلص الباحث نور الدين إلى أنه ” لا سلام مع تركيا في ظل وجود شخص يعتبر نفسه خليفة للسلطان العثماني محمد الفاتح” ويرى لنفسه الحق في التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، لذلك لابد من امتلاك “ورقة القدرات العسكرية للمواجهة وعدم تمكين جيش الاحتلال التركي” من البقاء في الأراضي السورية “مطمئنا” وهذا يكون “بالمقاومة المسلحة” ذات الأشكال المختلفة النظامية والشعبية.
ويضيف أن دعم “القوى التركية المعارضة” للتدخل التركي في سوريا ودعمها للوصول إلى السلطة هو الطريق للتخلص من الاحتلال التركي وإقامة علاقات ندية تحترم سيادة واستقلال البلدين.
مقالات ذات صلة