يتخوف الغرب من أن الصين قد تكون حبل النجاة القوي لروسيا بعد أن ضربت حمى العقوبات الغربية وتجميد الأصول وانسحاب الشركات الأوروبية والأميركية الاقتصاد الروسي، على خلفية العملية الروسية على أوكرانيا.
وتقول صحف غربية إن هذه العفوبات غير المسبوقة لم نترك لموسكو سوى حليفا واحدا وقويا بما فيه الكفاية، تستطيع الاعتماد عليه كمصدر للدعم المحتمل. والحليف بالطبع هو بكين.
ويستشهد المحللون الغربيون على أن الصين ستكون البديل القوي لروسيا في ظل العقوبات ماقاله وزير المالية الروسي أنطون سيلوانوف، قبل أيام: “أعتقد أن شراكتنا مع الصين ستواصل السماح لنا بالحفاظ على التعاون الذي حققناه، ولن نحافظ عليه فحسب، بل نزيده أيضا في ظل بيئة تغلق فيها الأسواق الغربية”.
ولكن التساؤل المطروح هو : هل ستجازف الصين بأن تطالها العقوبات هي أيضا إن مدت يدها إلى روسيا، وخاصةً بعد التحذير الذي أطلقه مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان للصين من أنه ستكون هناك عواقب، بما في ذلك فرض عقوبات ضخمة عليها، في حال ساعدت روسيا في الالتفاف على العقوبات.
ويشير سيلوانوف إلى أن حملة تجميد الأصول التي تقودها الولايات المتحدة منذ سنوات، طالت نحو نصف احتياطيات البنك المركزي الروسي تقريبا، أي 300 مليار دولار من أصل 640 مليار دولار، على شكل ذهب وعملات صعبة، في موجة سابقة من العقوبات منذ ضم شبه جزيرة القرم عام 2014.
أما الاحتياطيات المتبقية لدى البنك المركزي فهي في الغالب من الذهب واليوان الصيني، مما يجعل مصدر بكين المحتمل الرئيسي للعملات الأجنبية لدعم الروبل الروسي، وسط هروب رأس المال المدمر إلى خارج روسيا.
وفي واحد من أوضح تعليقات بكين بشأن العقوبات حتى الآن، قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي، الاثنين خلال مكالمة مع نظيره الأوروبي جوزيف بوريل: “الصين ليست طرفًا في الأزمة، ولا تريد أن تؤثر العقوبات على الصين”.
ومع ذلك، أكد أن “للصين الحق في حماية حقوقها ومصالحها المشروعة”.
ولكن؛ كيف يمكن للصين مساعدة روسيا على أرض الواقع؟
من الناحية النظرية: يمكن للصين تقديم الكثير، فإذا قررت فتح خط مبادلة كامل مع روسيا، مثل قبول الروبل كعملة للمدفوعات مقابل أي شيء تحتاجه الأخيرة، بما في ذلك الواردات المهمة كالأجزاء التكنولوجية وأشباه الموصلات التي حظرها الغرب عن موسكو في العقوبات الأخيرة، فهذا يعني أن بكين يمكن أن تسد الثغرات التي تركتها العقوبات الغربية في الاقتصاد الروسي.
لكن ما هي مصلحة بكين؟ وهل يمكن أن يؤدي الأمر إلى نتائج عكسية؟ تلك مسألة أخرى.
ويقول ماكسيميليان هيس، المتخصص في شؤون آسيا الوسطى بمعهد أبحاث السياسة: “فيما يتعلق إلى أي مدى يمكن للصين أن تساعد روسيا، يمكن أن تساعدهم كثيرًا”.
وأضاف: “لكنهم قد يخاطرون بفرض عقوبات ثانوية كبيرة على أنفسهم، وتجديد حرب تجارية كبيرة وعقوبات مع الولايات المتحدة والغرب أيضا”.
وتابع: “بالنظر إلى انعدام اليقين في الأسواق الصينية على مدى الأسابيع القليلة الماضية، وسط تصاعد التضخم وتفشي فيروس كورونا الجديد في البلادـ قد لا يكون هذا هو أفضل وقت للقيام بذلك (مساعدة روسيا)”.
ومع ذلك، لدى الصين شراكة طويلة الأمد مع روسيا، ويمكنها أن تستفيد منها.
وقبل الحرب، أعلنت بكين وموسكو عن “شراكة استراتيجية بلا حدود”، وأكدتا أن الهدف منها هو التصدي للنفود الأميركي.
وكان موقف الصين، في الحرب، هو إلقاء اللوم في نهاية المطاف على توسّع الولايات المتحدة وحلف الناتو شرقا في الصراع.
وفي 7 آذار الجاري، وصف وزير خارجية الصين، وانغ يي روسيا بأنها “الشريك الاستراتيجي الأهم” لبلاده.
وقال وانغ: “بصرف النظر عن مدى خطورة المشهد الدولي، فإننا سنحافظ على تركيزنا الاستراتيجي ونطوّر شراكة شاملة بين الصين وروسيا في العصر الجديد”.
وكتب هولغر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك بيرنبرغ الألماني، في مذكرة بحثية أوائل آذار: “للصين وبوتين مصلحة واضحة في العمل معًا بشكل أوثق”.
وتابع: “الصين سعيدة بإحداث مشاكل للغرب ولن تمانع في تحويل روسيا تدريجيا إلى شريكها الأصغر المطيع”.
ويمكنها أيضا الاستفادة من موقعها الحالي لشراء النفط والغاز والسلع الأخرى الروسية بأسعار مخفضة على غرار ما تفعله مع إيران.