هاشتاغ سوريا- ليليان أبو عسلي
اختلفت آراء من تحدثنا إليهم حول المراهقة، بدءاً من تحديدها عمرياً (متى تبدأ ومتى تنتهي) وصولاً إلى أكبر القضايا المتعلقة بها. ولكن، الجميع يتفقون تقريباً على أن المراهق عنيد ومتهور ويظن نفسه أنه على صواب دوماً.
محض أوهام
وقال معظم المراهقين الذين تحدثنا إليهم أن ما يعيشونه من حالة عاطفية هي مشاعرَ حقيقية وناضجة، بينما جزم معظم البالغين الذين التقيناهم وخاصة ممن لديهم أبناء مراهقين أن تلك المشاعر محض أوهام، ومجرد مشاعر مؤقتة، سرعان ما تزول. في حين يرى متخصصون بعلم النفس أن مشاعر سن المراهقة هي تطور طبيعي للعاطفة يمر فيه المراهقون، ولكن في هذه المرحلة لا يستطيع المراهق التمييز بين الحب والإعجاب، ويميل إلى الأحلام الوردية وبناء القصور.
قبلات على الخدين
” من الجميل أن يشعر الإنسان بالاهتمام، وأن يحصل على حاجته من المشاعر والعاطفة الدافئة ” كما تقول “نور”، وهو اسم مستعار لفتاة تبلغ من العمر 18 عاماً، والتي عاشت علاقة عاطفية مع أحد زملائها في المدرسة، دامت سنة وثلاثة شهور. “كنا نلتقي في المدرسة معظم الوقت، ونسترق بعض اللحظات معاً خارج أوقات الدوام”. أما عن أوقاتهما معاً فكانا يقضيانها في تبادل الأحاديث العابرة أو الاكتفاء بالصمت.
“كانت والدتي على علم بالأمر، ومتقبلة بشكل كبير، وتقول لي أنه أمر طبيعي تماماً”. وعما إذا تطورت هذه المشاعر لعلاقة جسدية قالت “جسدياً لم تتعد العلاقة حد العناق وتبادل القبلات على الخدين” رغم المشاعر الجميلة التي عاشتها “نور” في تلك العلاقة فهي لا تعتبرها ما نسميه بالحب الحقيقي. “كنت بحاجة للاهتمام، وسعيدة بوجود شخص يمنحني الاهتمام والحب”.
العلاقة الوحيدة في حياتي
أما “مجد” وهو أيضاً اسم مستعار لفتى في الـ17 من عمره، فيقول “كنت خلال علاقتي معها أظنه حباً حقيقياً، ولكنني الآن أرى أنني كنت مخطئاً”. تعرّف “مجد” بمحبوبته الأولى في مدرستهم الإعدادية، بدأت بصداقة عادية وتطورت مع الوقت، وانتهت فجأة بسبب مشكلة سخيفة كما وصفها. “كنا نتحدث طوال الوقت ونتشارك كل تفاصيل حياتنا حتى البسيطة منها، كنا على توافق وانسجام كبيرين”. كان العاشقان المراهقان يلتقيان غالباً في المدرسة، وكانا يخرجان معاً إلى المقاهي أو الحفلات، أو للتنزه سيراً على الأقدام. واقتصرت علاقتهما الجسدية على العناق والقبل البريئة، ولم يكن ذويهما على علم بتلك العلاقة، ويؤكد “لقد كانت العلاقة الوحيدة في حياتي”.
ابنتي عاشقة وأنا أصغي
“أحترم هذه المشاعر بشكل كبير، وأرى أنه من الطبيعي أن يخوض المراهق تجارب عاطفية، أما غير الطبيعي فهو ألا يخوضها”. هكذا عبرت “ازدهار فليحان” عن رأيها. و”ازدهار” البالغة من العمر 45 عاماً وتعمل مدرّسة، وهي حاصلة على إجازة في التربية وعلم النفس من جامعة دمشق، كونت هذا الرأي والموقف من خلال دراستها وخبرتها العملية، فهي ترى أن الحوار هو أفضل طريق للتعامل مع أبنائها المراهقين. “أحببت دوماً الإصغاء لقصصهم ومشاكلهم ومشاعرهم، وقدمت لهم النصح والإرشاد، كان الحوار ودياً وهادئاً ويقربنا من بعضنا البعض”.
الصغيرة تميل للكتمان
وتقول “فليحان” أنه و”على الرغم من اشتراك معظم المراهقين في الطباع، إلا أنه يبقى لكل شخص طباعه الخاصة، فابنتها الصغرى كانت تميل للكتمان أكثر من الكبرى”. وتضيف “اكتشفت مصادفة أنها كانت على علاقة بزميلها في المدرسة ولم تخبرني، شعرت بالحزن وألقيت اللوم على نفسي، لربما كانت خائفة من رد فعلي؟ لكني فيما بعد فهمت طباعها، فهي تميل للصمت والكتمان”. وبالنسبة لما يسمى بالحب الحقيقي ترى فليحان أنه يختلف بحسب الفئة العمرية من حيث الصدق والقوة والديمومة والثبات، “في مرحلة المراهقة المترافقة مع نمو الجسم وإفراز الهرمونات الجنسية، فتلك المشاعر عرضة للتغير في أي وقت، وتكون قصيرة المدى غالباً، لذلك فهي مشاعر غير ناضجة”، وتنصح “ازدهار” أخيراً كل أم وأب “أن يبقوا قريبين من أبنائهم وخاصة في مرحلة المراهقة، وأن تتخذ علاقتهم طابع الصداقة، ليكسبوا ثقتهم ولحمايتهم من أنفسهم ومن الآخرين”.
تجارب ضرورية وإن كانت غير حقيقية
وقالت “ناديا عدوان” وهي امرأة خمسينية، مجازة في الاقتصاد من جامعة دمشق، ومقيمة في دولة الكويت “طالما أن عملية التربية سليمة ومتكاملة، فلم نمنع أولادنا من تجربة العلاقات العاطفية ؟ فكل تجارب الحياة ضرورية لبناء ونضوج الشخصية ومن ضمنها بالتأكيد التجارب العاطفية”. وأضافت “منذ طفولتهن كان الحوار وما زال جزءاً أساسياً من علاقتي ببناتي، إذ لم يحدث أن مرت إحداهن بتجربة ولم نتحدث بشأنها، استمعنا لبعضنا البعض بشكل جيد وأخذ كل موضوع حقه من النقاش”. وترى “عدوان” أن حب المراهقة لا يعدّ حباً حقيقياً، “لأنه غالباً ما يفتقد لمقومات العلاقة الجادة الناضجة، وحتى لو استمرت تلك العلاقة فلن تكون بنجاح العلاقة التي بنيت في مرحلة عمرية أكبر نظراً لازدياد الوعي مع التقدم في العمر”.
وتضيف “قد تكون الأنثى في مرحلة المراهقة أكثر وعياً، وقادرة على الاستمرار أكثر من الذكر. لكن، بشكل عام، التغير في المشاعر وارد لكلا الجنسين، وعلاقات المراهقة ما هي إلا تدريب جميل على الحب المستقبلي”.
الحب من علائم الصحة
الاختصاصية بالصحة النفسية، خلود هنيدي، والمقيمة في دمشق، قالت في الإجابة عما إذا ما كان الشعور بالحب في المراهقة صحيّاً “الإحساس بالحب دائماً صحيّ، سواء في مرحلة المراهقة أو أية مرحلة أخرى في حياتنا”. ورأت أننا بحاجة للتفريق بين عاطفة الحب والعلاقات الغرامية والعلاقات الجنسية خصوصاً في مجتمعنا “بالنسبة للمراهقين ليس بالضرورة أن تكون علاقاتهم جنسية حتى لو كانت كذلك في خيالهم، فهم غالباً يعيشونها على صعيد الخيال دون تحويلها لفعل”.
حب ومخاطر
وأوضحت هنيدي أن العلاقات الجنسية في سن المراهقة منبع لمخاطر متعددة على الصعيد الصحي سواء الجسدي أو النفسي. ومن الصحي أن يعيش المراهقون والمراهقات علاقات عاطفية، وأن يختبروا الحب وخيباته أيضاً، فهذا من شأنه أن يجعلهم أقوى ويصقل مشاعرهم مستقبلاً. “ولكن يبقى من الضروري أن نفكر جيداً كآباء كيف نجنّبهم التجارب القاسية التي قد تكسرهم”. وعن مدى إيجابية أو سلبية الأثر النفسي لعلاقات الحب على المراهقين قالت هنيدي: “هذا يتوقف على طبيعة العلاقة، وكيف عاشوها، وما قدمته لهم. هل كانت تأكيداً للذات أم أنها شكّلت تقديراّ منخفضاّ للذات، فبعض العلاقات يعيش فيها اليافعين درجات متفاوتة من الرضى والسعادة أو التعب والخذلان ومشاعر كثيرة أخرى، وذلك قد يجعلهم يتخذون سلوكاً تجنبيّاً خوفاً من تكرار الخيبات، أو سلوكاً اندماجيّاً بسبب رضاهم عن الأحاسيس التي عاشوها”.
علاقات متعددة
وبينت الاختصاصية بالصحة النفسية، أن تعدّد العلاقات، هو أحد سمات مرحلة المراهقة، وغير مرتبط بدرجة الرغبة والإخلاص أو الحب بقدر ارتباطه بمحاولة إثبات الوجود واختبار المكانة وهذا ما يقلق المراهقين عادةً. “فهم في مرحلة نمو ونضج وانتقال لمرحلة الشباب، وإحساسهم بجسدهم يحرك العديد من سلوكياتهم ويجعلهم في حالة سؤال دائم عن مدى قبولهم من الجنس الآخر وبالتالي فهم جاهزون لتكرير الاختبار ليصلوا لأجوبة مرضية”.
علاقات لا تستمر
كما رأت أن هذه التجارب لا تستمر غالباً، لأن استمرار العلاقات يتطلب نضجاً عاطفياً غير محقق في هذا السنّ، ولأن الاستقرار يقف في وجه النظر نحو صورة الجسد وتأكيد مكانتها. وأكدت على أنه “من الضروري بناء علاقة متوازنة بين الأهل والأبناء، والتوازن هنا بمعنى عدم اختلاط الأدوار”. وتضيف ” كثير من الآباء يفترضون أن العلاقة الجيدة مع الأبناء تكون بإلغاء الحدود، وهذا يمكن أن يكون من أخطر العوامل التي تؤثر في النموّ السويّ للمراهقين، فالأبناء وفي كل مراحل النموّ بحاجة للقانون، بحاجة ليعرفوا المسموح والممنوع. ما يحصل حالياً أن بعض الآباء لا يضعون قوانين تضبط إيقاع الحياة، وهذا يساهم في ضياع المراهقين، وينعكس على نمط العلاقات العاطفية، التي يعيشونها، فيظنون أن كل شيء مسموح وهنا يكمن الخطر، مما يؤدي لإمكانية حصول مشاكل كبيرة”.
كيف تقول “لا”
والأنسب برأي هنيدي، هو صياغة القانون من قبل الآباء مع المحافظة على علاقة مبنية على احترام رأي الأبناء ومشاعرهم ومساحتهم الخاصة. “فالفرق كبير بين الحزم والقسوة، قد يحتاج الآباء لأن يقولوا (لا) لأبنائهم، لكنهم يحتاجون لمعرفة كيف يقولونها دون طغيان”.
الحب دائماً حقيقي
وعند سؤالها: “هل حب المراهقة يعدّ حباً حقيقياً؟” أجابت هنيدي “الحب هو حالة، وبالتالي لا يمكننا أن نقول عن حالة الحب أنها غير حقيقية بغض النظر عن السن”.
وفي تجربة لها في إحدى المدارس مع يافعين، كانت الفتيات تشكينها من الفتيان، الذين يزعجونهن بالحديث عن الحب أو طلبه، وكانت تجيبهن “لا أستطيع أن أعدكن أن يتوقف الحب لأن هذا الأمر ليس بيدي، لكنني أستطيع أن أعدكن أن الإزعاج سيتوقف بالتأكيد”.
وختمت بالقول “الحب برأيي دائماً حقيقي، والدليل أن معظمنا ما زال يتذكر إحساسه بأول مشاعر حب اختبرها في مراهقته. بالتأكيد إننا نتجاوز تلك المشاعر، ونستطيع عيش حالات حب قد تستمر مدى الحياة، لكننا نبتسم عندما نتذكر تلك التجارب الأولى”.