هاشتاغ-رأي-أنس جودة
أعياد ومناسبات كثيرة تم إقرارها احتفاء بفئات اجتماعية أو تكريسا لقضايا معينة ومنها عيد العمال
وللأسف أثبت لنا التاريخ أنه كلما ارتفعت السقوف والمطالبات خفت الفعالية وضاع الأثر المطلوب بعيدا عن تحقيق الآمال الفعلية لمن يفترض أن الاحتفال كان لهم وبسببهم.
بتأثير الشعارات ضاعت أوطان ودول وسحقت فئات وطبقات اجتماعية كانت حامل الاقتصاد والتنوير والحداثة الوطني الحقيقي، فتحققت العدالة المفترضة بطريقة عكسية، بإفقار الجميع وتحويلهم كلهم إلى طبقة مسحوقة اقتصاديا عديمة الرأي سياسيا.
منذ كمونة باريس 1871 وقيام الاتحاد السوفياتي السابق عام 1917 انطلقت الأممية بشعارات الانتصار لقضايا الفلاحين والعمال وكان نشيد الأممية الذي قال:
جميعنا حزب الكادحين العمال والفلاحونا
فما بقاء الخاملين الأرض ملك المنتجينا
بجموع قوية هبوا لاح الظفر
غد الأممية يوحد البشر
ولكن الدعوة المحقة لتحصيل الحقوق حولت العمال والفلاحين إلى أفقر طبقات المجتمع، وتحول حزب الكادحين إلى حزب سلطوي منع الأصوات الأخرى وقضى عليها وأنهى بطريقه فردوس العمال المرتجى وحوله إلى أرض خراب لا حياة فيها ولا روح، وتحول الظفر إلى هزيمة وتوحد البشر في الفقر والتشتت.
في خطابه الوداعي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي قال غورباتشوف كلمات للتاريخ فصّل فيها أسباب الانهيار العميقة التي لم تكن اقتصادية أبدا بل كانت سياسية بحتة تتعلق بوجود رؤية واحدة للدولة وإلزامها لكل المجتمع على السير في الاتجاه نفسه
من دون أي مساحة للرأي الآخر، وإلى طغيان المزاودات والعنجهيات بالقدرة على الفوز بسباق التسلح الذي اخترعه الأمريكان لاستنزاف الاتحاد السوفياتي.
قال غورباتشوف : “مع أنه لدينا كل شيء بوفرة؛ الأرض والغاز والفحم والمعادن الثمينة وغيرها الكثير من الثروات الطبيعية، ولدينا كذلك الذكاء والموهبة اللتان وهبهما الله لنا بلا حساب، وعلى الرغم من ذلك كله، كنا نعيش أسوا بكثير من الدول المتطورة، بل ونتأخر عنها كثيراً.
لماذا؟ لأن مجتمعنا كان يختنق في أغلال نظام تسلطي ألزمه الامتثال لعقيدة واحدة، وتحمل العبء الرهيب لسباق التسلح.
المحاولات الإصلاحية المجتزئة كلها قد فشلت، الواحدة تلو الأخرى، وفقدت البلاد كل بعد مستقبلي، لم يكن بإمكانها الاستمرار في هذه الحال، وكان لابد من أن يتغير كل شيء جذرياً”.
الشعارات الكبيرة تخبئ دائما تحتها غايات ضيقة، والإصلاحات الجزئية التي لا تحسم الموقف تزيد في تعقيد الأمور ولا توصل إلى نتيجة مفيدة، والوصول للفردوس المرتجى الذي يحصل فيه الجميع على حقوقهم ويتنعمون بموارد وطنهم بحاجة إلى رؤية مشتركة وحوامل اجتماعية متعددة يضع الجميع تفاصيلها كلها، ليس فيها قدسية ثورية إلا لضمان حياة الإنسان وكرامته.