الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرمساحة اشتياق

مساحة اشتياق

هاشتاغ _ نضال الخضري

في رواية قصيرة يمكن تلخيص حياة السوريين صبيحة العيد، أو ربما في أي يوم آخر يستيقظون فيه ولا يملكون سوى التأمل في لحظة عابرة تبدأ من “اليقظة”، ومهما تغير الإيقاع فجر العيد سواء بالتكبيرات أو ببرامج تلفزيونية لا تمل منذ ستة عقود، تاريخ بدء البث التلفزيوني، عن سؤال المواطنين حول طقوس العيد القديمة، فإن التصور الوحيد لسوريٍ يستقبل يوما جديدا هو شريط “الفقد” الذي اجتاحه خلال الأعوام المتلاحقة.

يخلق “الفقد” اشتياقا لأحلام كانت تعبر المجتمع وتثير الجميع وكأنهم مراهقون يتعرفون على الحياة من جديد، فعندما نبحث في تفاصيل النهار الجديد أو العيد الذي أصبح اعتيادا نستقبله كل عام، عن أحلام مفقودة، أو إجابات لمذيعات التلفزيون عن الماضي، فإننا في الواقع نغرق في وهم جعلته الحرب يشبه الفردوس المفقود، بينما تصر البرامج التلفزيونية على جعله جزءا من تشكيل حياتنا.

ما يرسمه العيد عن “الفقد” هو حالة الوهم التي تجعلنا ندرك أننا لا نملك نفس المشاعر، أو أن العيد تخلى عن بهجته السابقة وبدأ يرسم حالة ذهول في الوجوه، لكننا في الحقيقة نتسلح بأوهام مختلفة، فالأطفال مازالوا يبتهجون بالعيد مهما كانت القسوة تلف أهلهم، وهم يستبقون دهشة “التكبيرات” بأحلام حول نقود ربما تصلهم من أقرباء يشاهدونهم كل عام مرة أو مرتين، وساحات الهرج والمرج في بعض زوايا المدينة بقيت تحتضن صرخات الأطفال وكأن العيد لم يتبدل طوال العقود الماضية.

ربما نحتاج رسم الأحلام من جديد خارج حالة “الفقد” وإدراك أن الزمن هو “البعد الرابع” الذي لا نريد التأقلم معه، فتراثنا يعاكس نظرية أينشتاين بهذا البعد لأنه يحمل لنا وعودا باتجاه الفردوس وشباب دائم، و”الفقد” الذي نعيشه خلال العيد أو عندما نتأمل أيامنا المتتالية هو الزمن فقط، فلا الحياة في الماضي كانت أكثر فرحا، ولا أيامنا الحالية بائسة مقارنة بالماضي، وما يحدث أننا غير قادرين على رسم متعة جديدة تتناسب مع زمن هو بعد رابع لا يمكننا التخلص منه.

في أيام العيد المتكررة التي فقدت بهجتها حسب أوهامنا يمكن أن نلاحظ مساحة “العطالة” التي نفرضها على أنفسنا، فنحن نريد تجميد “الدهشة” الأولى التي عرفناها وننسى أن هذه “الدهشة” لن تتكرر بنفس الصيغة، فهنالك دهشات جديدة لا نريد أن نعترف بها لأنها تخالف قاعدة “الزمن” الخاص، وتكسر تصورات العودة للزمن البدئي الموجود في الميثولوجيا والتراث وفي الثقافة المتراكمة فوقنا منذ قرون، ففي العالم هناك كون يتم اكتشافه يخلق ألف دهشة، وتلسكوب جيمس ويب فتح تصورات لكون يضج بالحياة، لكن ما يقدمه يكسر حالة من الفردية التي نتمسك بها في رؤيتنا للزمن، ولتفردنا في كون ظهر بـ”انفجار كبير” يخص “الإنسان” وحده.

في العيد علينا رسم دهشة لهذا الزمن الذي يتكرر حولنا، بينما يظهر “الذكاء الصنعي” كأكبر دهشة في عالم يحتاج لتحديد كل المفاهيم بما فيها “دهشة العيد”.

http://لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة