مازن بلال
المفاجأة الكبرى كانت في الفصل الأخير من حرب غزة التي بدأت في السابع من تشرين الأول عام 2023، فالتصفية النهائية كانت لمنظومة سياسية ينتقدها البعض، في وقت تشهد فيه الساحات في العاصمة السورية صدمة حقيقية من طبيعة الحقبة الجديدة، فالتأييد الذي ينقله الإعلام يحمل في عمقه مظهر مختلف لمشهد “الجمهورية الجديدة”.
في اللحظة الراهنة ليس مهماً النظر إلى الخلف لأن المساحة السورية باتت مفتوحة على الاحتمالات كافة، ومع غياب “القوة الفيزيائية” للدولة وانتقالها إلى قوات “هيئة تحرير الشام” فإن الحراك الاجتماعي سيبقى المسار الوحيد الذي يمكن أن يضمن وصول المشهد الحالي إلى إجراءات “الحكومة الانتقالية”، والمهم في المرحلة الحالية قراءة الإرث السياسي السوري الذي كان “صلبا” من الاستقلال على الرغم من التقلبات كلها التي عاشتها البلاد منذ انقلاب حسني الزعيم وصولا إلى نهاية مرحلة البعث.
عمليا هناك مسار سوري يمكن قراءته وسط الاضطرابات المتعددة، فسلطة البعث لم تكن الوحيدة التي دخلت في صراعات إقليمية ودولية، ولكنها كانت الأطول في تاريخ سوريا، وعلينا هنا التعامل مع أمرين أساسيين:
الأول، إن سوريا ومنذ الاستقلال واجهت أزمة حقيقية أمام تحديات إقليمية صعبة، فهي كانت في صراع مع المحاور الإقليمية، فانقلاب الزعيم يمكن فهمه إقليميا على أنه تعامل مبكر مع سلطة شركات النفط، إذ رفضت سوريا التوقيع على اتفاقية التابلاين، بينما وقعها حسني الزعيم فور تسلمه السلطة.
النموذج الخاص بحسني الزعيم يقدم صورة أولية عن المساحات التي ظهرت أمام الجمهورية الأولى في منافسة إقليمية ما بين العراق، والسعودية ومصر، فانهيار المحاور بالنسبة للحكومات السورية المتعاقبة ليس جديدا، وانتهاء محور المقاومة اليوم هو جزء من الصراع الجيوسياسي الذي شهد من بداية حرب غزة حالة غير مسبوقة، فهو كان محورا إقليميا في مواجهة جبهة دولية.
الأمر الثاني، إن المرحلة القادمة تبدو عبر مؤشرات حالية نتيجة المواقف الخجولة لدول الإقليم العربية، ففي الوقت الذي تتحرك فيه تركيا تحركاً سريعاـ، فإن الجوار العربي انكفأ انكفاءً غير مسبوق، وظهرت ملامح خوف حقيقي من “الصورة التركية” التي ترسم حاليا المشهد الإقليمي في سوريا، وفي ليبيا أيضا، بينما يتحرك النظام العربي إعلاميا فقط عبر الفضائيات التي دخلت إلى العاصمة السورية.
المنافسة الإقليمية هي في مرحلة “البرود” لكنها بالتأكيد ستغير المشهد الإقليمي تماماً، لأن النموذج السوري أصبح جغرافيا عازلة داخل دول غرب آسيا عموما، ومن المبكر معرفة “حكام” سوريا الجدد اتجاه هذا “التموضع” الاستراتيجي المحايد من معظم القضايا الإقليمية..
المسار السوري الداخلي صعب، ولكن الانهيار السياسي كان سيناريو يصعب تصديقه، فهو بدأ بحرب ضد “إسرائيل” وانتهى بانهيار محور المقاومة وهذا الأمر لا يعني بالضرورة “انتصار إسرائيلي” بل تحول إقليمي تحتاج فيه “إسرائيل” أيضا إلى رسم حالة مختلفة عن أدوارها السابقة، فما حدث هو زلزال إقليمي سيتغير معه مشهد غرب آسيا وشمال إفريقيا تغييرا غير متوقع.