هاشتاغ-نضال الخضري
تتراكم الواجبات والحقوق على إيقاع أنفاسنا، فنحن أجيال متلاحقة باحثة عن مساحات حيوية داخل الوطن، وعن تسميات كانت منذ البداية مناهج مدرسية قبل أن تصبح مانشيت يصدح داخل أنفسنا، والوطن كما نعرفه “نداء واجب” وأناشيد تطرق أسماعنا دون حاجة لأي مناسبة، وربما نمتلك أكبر رصيد من هذه الأناشيد بحكم أن “الوطن” حالة استنفار عصبي أكثر من كونه واحة استقرار.
بمنطق الواجب ظهرت الأجيال المتعاقبة منذ الاستقلال، وظهرت معها ألوان فاقعة للوطن الذي بتنا نحمله على أكتافنا بدل أن نعيش على أرضه، فهو لم يملك حالة قسوة إنما ثقافة حملتنا “الواجب” كحد نهائي لحياتنا على الأرض ثم اكتفينا بالكثير من الحزن وببعض من الانفلات من عقال رسم الوطن كحالة تضحية نهائية تشبه الميثولوجيا في “موت تموز”، لكنها لا تقارب استمرار الحياة وربيعها لنفس الميثولوجيا.
في زمن العولمة بدءا من ثمانينات القرن الماضي أضفنا إلى الواجب “الحقوق” ولكنها كانت بنفس الصرامة، فممارستها بدأت بدرس أخلاقي و “وطني” لا يتيح العودة الطبيعية لمفاهيم قادرة على جعل الوطن حالة فرح، و”الطليعة” الثقافية كانت تجعل من كل مفاهيم المواطنة حالة “صراع” لا تترافق مع ضرورة فتح مساحات للاسترخاء ولو للحظات، فهناك نوافذ للعولمة أدخلتنا في منطقة اشتباك جديدة من أجل “الوطن”، وربما أعادت كتابتنا ضمن “الواجب الوطني” كمفهوم مطلق ولكن من زاوية جديدة.
بقي الفرح ضمن التسلسل الثقافي والاجتماعي وحتى السياسي محصورا بحالات مكسرة يصعب تمييزها، كما يصعب أيضا رؤية الوطن خارج المنطوق الذي يلتف على أعناقنا ويمنعنا من منح الأجيال الجديدة أفقا آخر غير الذي استمر حتى عام 2011 عندما انفجر الواجب، ورسم كل المفاهيم بشكل لا يختلف عن كل التراث الذي حملناه بدلا من أن نمارسه كفرح وجمال للوطن.
نحن والوطن أسطورة فقط، فهو تحد ومواجهات وصراعات ومؤامرات وثقافة تستنفر الأعصاب، بينما يصعب علينا أن نبتسم لدهشة مراهق عندما يعانق فتاة، وإذا كان صحيحا أن الوطن منذ عقود تحاصره الأزمات فنحن الأزمة الأولى لأننا استبعدنا ثقافة الفرح التي يمكنها إعادة رسم كل ملامح الحياة، وربما جعلنا من “الواجب” و “الحقوق” أيقونة نصلي لها عوضاً عن التفكير ولو لحظة بأن استمرار الحياة على الوطن تحتاج لفرح نورثه للأجيال التي تشتت اليوم في كل أرجاء الأرض.
في سورية اليوم أزمة فرح ليس بسبب الضائقة الاقتصادية، فالأزمات المعيشية هي نتيجة إخفاق للإنتاج الثقافي بالدرجة الأولى، لأن الثقافة التي يمكن أن تدفع للإنتاج لا يمكنها أن توجد دون فرح يعيدنا إلى دائرة الضوء، ليس كأقدم حضارة بل كوطن للوفرة قادر على استيعاب الجميع دون متلازمة “الواجب” بشكلها المقدس الذي لا يحمل أي تفاصيل تدعو للغبطة، فأجيال ما بعد الأزمة تستحق ثقافة ومفاهيم تعيدها لحياة يصبح فيه الإبداع والإنتاج فرحا بدل أن يكون عبئا.