هاشتاغ-رأي-محمد محمود هرشو
مسارات عدة أخذت تتضح منذ بداية العام على الصعيد السياسي الداخلي السوري؛ انتخابات حزبية، ثم هيكلة أمنية، وها نحن اليوم على مستهل ولادة هيئة رقابية جديدة.
عقب كل مرة كنت أكتب فيها عن عزم الرئاسة السورية إطلاق إصلاحات جذرية ضمن هيئات لم يستطيع المواطن السوري حتى ذكر اسمها ذات يوم، كان البعض يشكك أو يعاتبني في جرعة التفاؤل لدي عن إصلاح ما فسد في بلاد منهكة وممزقة بفعل الحرب والفساد، لكن ما هي إلا أيام حتى تُعلن نتائج اجتماعات وقرارات عملية لخطط طال التحضير لها في الكواليس.
بعد بدء الانتخابات الداخلية لحزب البعث، والتحضير لهيكلة أمنية أخذت تتبلور، استهلت بإبعاد الأجهزة الأمنية عن الحياة المدنية، أو على الأقل عن عمل الدوائر الحكومية، ها نحن اليوم على أعتاب ولادة هيئة مكافحة الفساد، والتي ستكون ناتجة عن دمج الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش مع هيئة الرقابة المالية، حيث من المقرر مناقشة الأمر خلال اجتماع مجلس الوزراء القادم والمصادقة عليه.
مقالة ذات صلة: أثر البعث
أعلم أن مجرد ذكر مجلس الوزراء سيفرغ الخبر من مضمونه بالنسبة لكثيرين، فمجرد ذكر المجلس أو مرور الأمر بالمجلس سيجعلهم يتذكرون ولاية المجلس على الأجهزة المطلوب دمجها، وربما سيستذكر البعض آلافا مؤلفة من الملفات التي تم طيها بفضل تبعية الأجهزة الرقابية للمجلس.
للأمانة؛ ووفق المعطيات الواردة فإنه لم تتبلور بعد الرؤية حول الجهاز الوليد (هيئة مكافحة الفساد) بشكل كامل، من حيث التبعية والصلاحيات، لكنه سيحمل اسمه بكل تأكيد، فهو بالنهاية لم يكن ليولد لولا إرادة الرئاسة السورية الجدية للأمر أي “مكافحة الفساد”، وطالما الأمر كذلك فنحن على أعتاب مرحلة جديدة من التعاطي مع حالات الفساد وفق أُطر، وحتى خبرات، وصلاحيات لم تكن موجودة أو مفعلة سابقاً.
مقالة ذات صلة: نحو قضاء سريع وعادل
ولكن، رغم ذلك فنحن أمام بعض العوائق التي من المتوقع أن يتم تلافيها خلال إحداث الجهاز، أو ضمن خطوات إصلاحية لاحقة تُكمل ما بدأت به الرئاسة في مستهل العام الحالي، وتتمثل بنقطتين رئيسيتين:
الأولى تبعية الجهاز، فإن كانت هذه التبعية لمجلس الوزراء فمن الذي سيُكافح فساد من؟ وهل ستكون الصلاحيات التي ستُعطى للجهاز العتيد بفضل إرادة مكافحة الفساد أكبر من التبعية الإدارية والمالية والبيروقراطية الحكومية التي نعيشها؟!
أما إذا كانت التبعية لمجلس الشعب، فعن أي مجلس نتحدث؟ وهل هو ناتج إرادة الشعب؟ وهل انتخابات حالية ستُفرز قيادة حيادية ستُصلح ما أفسده الدهر من قوائم الوحدة الوطنية؟!
مقالة ذات صلة: لا حصانة للمتنفذين.. قطار التحولات الداخلية ينطلق بخطى واثقة نحو سوريا الجديدة
ولاحقا لمسألة التبعية، ولنفترض أن الهيئة الوليدة ستكون مستقلة كالقضاء مثلا، فمن المؤكد أن هذا الجهاز سيكون تحت ظل الأنظمة والقوانين النافذة (سنتحدث لاحقاً عن الأمر ) وغالباً، وكما هو بديهي، وكما كان متبعاً في مسيرة الأجهزة المدمجة الشبيهة فإن ناتج عمل هذا الجهاز سيكون في “ملعب” القضاء – وأنا أقصد هنا كلمة “ملعب” وليس ميدان أو ظل-
فعندما نتحدث عن القضاء بشكله الحالي وقبل أن نشهد إصلاحات قضائية، سيكون جهازنا الوليد الذي ستُعول عليه الآمال بمثابة (كأنك يا أبو زيد ما غزيت)، لأن كل نتائح التحقيقات التي ستتوصل إليها الهيئة الجديدة ستصب في النهاية في “دهاليز” القضاء الذي سيكون شرط إصلاحه وتنظيفه شرطا أساسيا لعمل ونجاح الهيئة الوليدة، حتى لو تمتعت هي بأفضل معايير الاستقلالية والنزاهة والكفاءة، وبقي هو على حاله.
ولنا مع الإصلاح القضائي وخباياه محطات في قادمات الأيام.