Site icon هاشتاغ

القضايا العالقة بعد حرب غزة

مازن بلال

تقدم الحرب في غزة تصورا أوليا لمسار الشرق الأوسط، فبعد سبعة أشهر من القصف “الإسرائيلي” العنيف تبدو الحلول السياسية بعيدة، والتفاهمات الدولية أيضا غير ممكنة، ويعود الأمر بشكل أو بآخر إلى “الفراغ السياسي” داخل النظام الإقليمي، فالعملية السياسية المعطلة وجملة المبادرات العربية التي كانت آخرها في قمة بيروت (2002)، خلفت واقعا سياسيا خاصا لا يملك المبادرة في طرح الحلول السياسية، أو القدرة على الضغط دوليا لكسر معادلة القوة التي تفرضها “إسرائيل”.

 

عمليا فإن النموذج الذي قدمته الحرب في غزة لا يبدو جديدا، لكنه في المقابل ينقل ذروة “الفراغ السياسي”، خصوصا بعد أحداث “الربيع العربي” التي غيرت شكل العلاقات الإقليمية وبدلت أيضا من بنية الدول، فالعجز العربي إن صح التعبير في مواجهة “كارثة غزة” يشكل ظاهرة بدأت من مسألتين أساسيتين:

تغيير مراكز القوة في النظام الإقليمي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، إذ تبدلت الأدوار تدريجياً، ولم يعد شرق المتوسط يعتمد قوة المحور بين دمشق والقاهرة والرياض، إنما الأدوار الفرعية الأخرى في الدوحة على سبيل المثال، أو ضمن عواصم جديدة مثل أنقرة أو طهران.

 

مسألة الأمن الإقليمي خرجت خروجاً سريعاً من مساحة العواصم العربية، لتصور توازنا جديدا غير مسبوق في تاريخ الدولة الحديثة في الشرق الأوسط، وتكونت محاور جديدة تبدو في شكلها العام محاولة لرسم “الشرق الأوسط الجديد” خارج المفهوم الذي أسسته حركة الاستقلال للدول العربية خلال وبعد الحرب العالمية الثانية.

 

المسألة الثانية مرتبطة بصياغة مفهوم “الأمن الإقليمي” لدول الخليج العربي والسعودية خصوصاً، فالتجربتان الأفغانية والعراقية دفعت تدريجياً تلك الدول إلى خلق مسافة جديدة بينها وبين بؤر التوتر، وبدلت خلال عقدين من الزمن الصورة التقليدية للدول النفطية التي أدت دور الذراع الاقتصادي القوي في دعم النظام الإقليمي.

 

ما يحدث في غزة اليوم يعبر تعبيراً واضحاً عن “الاستنزاف السياسي” طوال العقدين الماضيين، وعن تحول التفكير باتجاه تصورات ذاتية لدول المنطقة لا تحوي قضايا محورية جامعة، فالصراعات السياسية خلال مراحل “الربيع العربي” كانت ذروة “التفريغ السياسي” الذي جعل الكثير من القضايا معلقة على التوازنات الدولية فقط، وقراءات الرهانات في حرب غزة توضح عدم وجود غطاء استراتيجي حتى لأكثر المواضيع حساسية، مثل المجاعة أو الإبادة أو غيرها، وفي المقابل فإن المسائل الأخرى هي أيضا خارج دائرة التأثير الإقليمي ومتروكة للصياغات الدولية التي بدأت بالعمليات العسكرية للناتو في ليبيا واستمرت في الأزمة السورية والصراعات العسكرية على أرضها، وصولا إلى غزة التي تسجل حالة غير مسبوقة في السياسة الدولية على المستوى الإنساني، ولكن من دون أفق واضح لعملية سياسية تنهي بالحد الأدنى حالة الموت الممنهج الذي تنفذه “إسرائيل”.

 

بدأ الفراغ السياسي بإقصاء بعض أدوار دول المنطقة عن النظام الإقليمي، وينتهي اليوم برعب بوساطة عدم القدرة على كسر معادلة الموت التي تمارسها “إسرائيل” ممارسة تكشف أن التفكير بالأمن الإقليمي ربما انتهى تماماً.

Exit mobile version