تشهد الولايات المتحدة انتخابات تمهيدية لاختيار المرشحين للسباق نحو البيت الأبيض، فمن المقرر أن يتوجّه الناخبون الأمريكيون إلى صناديق الاقتراع في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري لاختيار رئيس للبلاد.
ويهيمن على النظام السياسي في الولايات المتحدة حزبان فقط، ينتمي كل رؤساء أميركا في العصر الحديث لأحدهما، هما الحزب الديمقراطي الليبرالي الذي ينتمي إليه الرئيس الحالي جو بايدن، والحزب الجمهوري المحافظ الذي ينتمي إليه سلفه الرئيس السابق دونالد ترامب.
وبالرغم من أن الحزبين، الجمهوري والديمقراطي، يتسابقون عادة في الانتخابات، على إظهار التأييد والاستعداد لدعم “إسرائيل”، يتابع الفلسطينيون، كما العالم كله، الانتخابات الأمريكية الحالية بقدر كبير من الاهتمام وحب الاستطلاع، ويعود السبب في ذلك إلى وجودِ بعض الفوارق في مواقف الحزبين والمرشحين تجاه قضايا الشرق الأوسط المختلفة، بما فيها القضية الفلسطينية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
ولعل أكثر المحبطين من سياسة بايدن تجاه العدوان أنصار القضية الفلسطينية والعرب الأميركيون الذين قد يقاطعون الانتخابات، غير أنهم في الوقت ذاته واقعون بين خيارين أحلاهما مر، بايدن، أو ترامب.
القضية الفلسطينية في عيون الجمهوريين والديمقراطيين
أستاذ النزاعات الدولية في معهد الدوحة للدراسات العليا إبراهيم فريحات يوضح أن الدراسات والأبحاث التي أجريت على مواقف الجمهوريين والديمقراطيين في الإدارة الأميركية تجاه القضية الفلسطينية خلال 20 عاما، تظهر بأن الجمهوريين ازدادوا تطرفا ويمينية فيما يخص القضية الفلسطينية، وأن الديمقراطيين ازدادوا يسارية، وأن هناك فجوة اتسعت بينهما على مدار هذه المدة.
وقال فريحات لـ موقع “العربي”: “لا أحد يختلف على أن إسرائيل هي حليف إستراتيجي في المنطقة بالنسبة للولايات المتحدة، وأن أمنها من أمن أميركا، إلا أن هناك مفارقات في المواقف ما بين الإدارات الجمهورية والديمقراطية”.
ولفت إلى أن من الفوائد التي يجنيها العرب والفلسطينيون بوصول إدارة جمهورية إلى البيت الأبيض أنها تحررهم من وهم أن الإدارة الأميركية سواء كانت جمهورية أو ديمقراطية بإمكانها أن تفعل شيئا للقضية الفلسطينية.
بايدن أو ترامب.. من المناصر الأقوى لإسرائيل؟
مع إعلان نيكي هيلي وقف حملتها الانتخابية يتفرد دونالد ترامب مرشحا وحيدا عن الحزب الجمهوري لخوض السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض في مواجهة الرئيس بايدن.
وما يقلق الناخبين العرب خاصة، أن تاريخ ترامب شاهد على تأييد مطلق لإسرائيل، أبرز وجوهه الاعتراف بالقدس عاصمة أبدية لإسرائيل، وإن كانت مواقفه لا تختلف عن مواقف بايدن تجاه دعم “إسرائيل” سياسيا وعسكريا.
والبعض يرجّح أن يكون ترامب الخيار الأسوأ بالنسبة للفلسطينيين، فوجهة النظر هذه يعززها ما عبر عنه إيتمار بن غفير أبرز قادة اليمين المتطرف الإسرائيلي، بقوله: “لو كان ترامب في السلطة لكان سلوك الولايات المتحدة أفضل”.
من جهته، أعلن دونالد ترامب صراحة تأييده للعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، مجددا تأكيد دعمه لحكومة بنيامين نتنياهو، ورفض وقف إطلاق النار، واتهم إدارة الرئيس جو بايدن باللِّين، وفق تعبيره، في التعامل مع أحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
وفي المقابل، وكما كان متوقعا، أبدت إدارة الرئيس بايدن مؤخرا مواقف أكثر صرامة تجاه “إسرائيل” خشية استمرار نزيف التأييد الشعبي عقب موقفها المتشدد من عملية “طوفان الأقصى”، ووقوفها التام مع نتنياهو، لكن دون حصول أي تغيير جذري في النهج الذي تتبعه واشنطن حيال الصراع.
بهذا الصدد، توضح الأستاذة المشاركة ورئيسة قسم العلوم السياسية بجامعة ماساتشوستس، ليلى فرسخ، أن ترامب وبعد أن تأكد أنه المرشح الوحيد في الحزب الجمهوري، يريد أن يبتعد عن كل تصريحات بايدن، وأن يركز على أنه المناصر الوحيد لإسرائيل.
وفيما أشارت إلى أن ترامب يريد أن يؤكد أن الجمهوريين هم فعلا مناصرون الأقوى لإسرائيل، تحدثت فرسخ عن نوع من المنافسة الزائفة بين بايدن وترمب حول هذا الموضوع، لأن كلا منهما يظهر أنه المؤيد الأقوى لإسرائيل.
من جهته، أعرب فريحات عن اعتقاده أن الموقف الأميركي سيأخذ في التطرف بشكل جوهري بشكل أكبر مما نراه اليوم في حال عودة ترامب إلى الحكم، خاصة لناحية إطلاق يد “إسرائيل” في المنطقة.
وأشار فريحات إلى أن أيا من الإدارات الديمقراطية لم تقدم على نقل السفارة من “تل أبيب” إلى القدس، ولم تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولم تقم بصفقة القرن كما فعل ترامب خلال الفترة التي كان بها في البيت الأبيض.
وفي ذات السياق، اعتبر أستاذ النزاعات الدولية، أن تصريحات بايدن التي تحدث خلالها عن مشروع وقف إطلاق نار في غزة لمدة 6 أسابيع هي وهم كبير، لأن بعد ذلك ستعود الدبابات والجرافات الإسرائيلية إلى “محو غزة عن الوجود”.
كورنيل ويست.. مواقفه الداعمة لفلسطين
كورنيل ويست فيلسوف ومثقف أمريكي من أصول أفريقية، تخرج في كلية الآداب بجامعة هارفارد عام 1973، وحصل على الماجستير والدكتوراه في الفلسفة من جامعة برينستون، وعمل أستاذا ومحاضرا في عدة جامعات.
وتحظى آراؤه في القضايا الفلسفية وقضايا السياسة العالمية باحترام كبير في الأوساط الأكاديمية والعلمية، وله تاريخ طويل في العمل الأكاديمي بالعديد من الجامعات الأميركية والغربية.
منذ شبابه له نشاط سياسي كبير، حيث كان ناشطا ومشاركا أساسيا في المظاهرات التي تهتم بالدفاع عن الحقوق المدنية، ونظم احتجاجات للمطالبة بمقررات دراسية عن السود في مدرسته الثانوية.
في مرحلة شبابه أعلن إعجابه بـ”النضال الأسود الصادق لمالكولم إكس، والغضب العنيد لحزب الفهود السود، واللاهوت الأسود الغاضب لجيمس إتش كون”.
نشاطاته السياسية ومشاركاته في المظاهرات لدعم القضايا التي يراها عادلة سبّب له مشاكل مع إدارات الجامعات التي كان يعمل محاضرا بها، إذ تعرّض للوم كبير من إدارة جامعة هارفارد عام 2001، لأنها رأت أنه يخصص الكثير من وقته للنشاط السياسي بعيدا عن الأنشطة التدريسية، مما اضطره للاستقالة من منصبه بالجامعة.
وفي حزيران/يونيو 2023، أعلن نيته المنافسة في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024، حينما قال إنه سيرشح نفسه عن حزب الشعب التقدمي في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2024.
وبعد ذلك بوقت قصير، حوّل انتماءه إلى حزب الخضر، لكنه في تشرين الأول/أكتوبر 2023، أعلن أنه لم يعد يسعى للحصول على ترشيح حزب الخضر وأنه سيرشح نفسه بشكل مستقل.
كان لـ ويست موقف واضح من العدوان الذي بدأته “إسرائيل” على قطاع غزة يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 بعد عملية “طوفان الأقصى”، وانتقده بشدة.
كما انتقد موقف الإدارة الأمريكية الداعم لإسرائيل، ودعا إلى وقف إطلاق النار فورا، ووقف الإبادة الجماعية التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين.
وقال في رسالة صوتية في 14 تشرين الثاني/نوفمبر 2023 “إننا نقف متضامنين مع أي شخص يتعرض للاحتلال، أي مقهور، أي مظلوم، ولهذا السبب.. نحن نركز على غزة في هذه اللحظة”.
كما قدّم استقالته من جامعة هارفارد، التي كان فيها أستاذا للفلسفة العامة في مدرسة اللاهوت، بسبب إذعان الجامعة للوبيات الإسرائيلية، وتحيزها ضد الفلسطينيين.
وقال ويست، في خطاب استقالة لاذع نشره يوم 30 حزيران/يونيو 2021، إن جامعة هارفارد تعيش حالة من “الاضمحلال” و”التعفن الروحي”.
وأكد أنه متيقن من أن انتقاده لإسرائيل كان أحد الأسباب الرئيسة لحرمانه من التثبيت في وظيفته بالجامعة.