هاشتاغ-رأي-مازن بلال
لم ينتظر أحد أن تخلق القمة العربية تحولا سياسيا في أزمات المنطقة، فهناك اعتياد اجتماعي لتلك المناسبات التي تظهر في ذروة التأزم، وتنتهي بعد لحظات من البيان الختامي لتعود الأزمات إلى المساحة نفسها التي كانت عليها قبل القمة، ولكن معالجة “القمة العربية” ضرورية لأنها ومنذ نشأتها في أوائل الستينات كانت مؤشرا للأزمات فقط، وأحيانا تخلق ذروة جديدة في التصعيد داخل العلاقات العربية، أو حتى على مستوى الصراعات وخصوصاً في فلسطين.
القمة الأخيرة هي نموذج “البرود السياسي” الجديد الذي تتعامل به “المنظومة العربية” مع المخاطر القائمة، فالحدث الذي تواجهه ليس عاديا على المستوى الدولي، وطريقة المعالجة ما بين أوروبا والولايات المتحدة للحرب في غزة تحتاج بالفعل إلى تحولات عميقة في نظرة الجميع للأمن الإقليمي، فمهما كانت المواقف المعلنة من “حماس” أو “إسرائيل” فإن الحرب تدور على مساحة إقليمية، وتبدل المعطيات السياسية تبدلا سريعا، ابتداء من الرؤية العربية الرسمية لهذا الصراع، وانتهاء بطبيعة المنظومات الإقليمية التي تبدو أضعف من إيقاف الاعتداء “الإسرائيلي”.
مؤشرات البرود الذي واجهت به القمة العربية ما يجري في غزة تحمل مؤشرا أساسيا بالاتفاق على أن “الخطر” ما زال محصورا ضمن “دول بعينها”، أو “محور المقاومة” الغائب سياسيا والحاضر عسكريا في جبهات خطرة لعموم الشرق الأوسط عموما، والتجاهل للتوزع الخاص الذي أفرزته حرب لا يبدو شأنا سياسيا عابرا لأنه مترافق مع موضوعين:
الأول أن قسوة الحرب في غزة مطروحة ضمن مساومة متعلقة بإعادة تشكيل العلاقات بين “إسرائيل” وعدد من الدول العربية، فالحرب شكلت فرصة للبحث مجددا في التعامل مع ما كان يسمى “التطبيع”، وتحويله إلى عملية سياسية إقليمية عامة.
هناك غطاء سياسي تم تشكيله بالحرب ليس فقط على المستوى الدولي الذي تقتصر احتجاجاته على المستوى الإنساني، ومن دون قدرة على التأثير في الإبادة التي تمارسها “إسرائيل”، فهناك غطاء آخر عربي ظهر بوساطة منحت زمنا قياسيا لاستمرار الحرب عبر الجهود الدبلوماسية التي همشت أي إمكانية للضغط على “إسرائيل”، والبرود السياسي للقمة العربية كان توسيعا لهذا الغطاء.
الموضوع الثاني هو الاستنزاف الذي تمارسه الحرب على مسألة الأمن الإقليمي، إذ تمحورت أزمات المنطقة كلها حول فلسطين وتشكلت الرهانات حول تحويلها إلى بوابة لتعديل المفاهيم كافة المرتبطة بالصراع مع “إسرائيل”.
القسوة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة أو الضفة الغربية غير مسبوقة، وترافقها حالة أخرى من إتاحة مساحات للحرب على الرغم من المواقف كلها التي ينقلها الإعلام، فهناك تغافل كامل إلى أن هذه الحرب لا ترتبط بمن “بدأها” بل بشكلها وبالغطاء السياسي الممنوح لـ”إسرائيل”.
برود القمة العربية أيضا غير مسبوق وهو لا يُظهر عجز هذه المنظمة الإقليمية، بل أيضا نوعية التفكير السياسي الذي فتحت حرب غزة مساحة له لتبديل العلاقات الإقليمية تبديلا مختلفا تماما ويتركز على أمن إقليمي يتمركز في الجبهات العسكرية المشتعلة نتيجة الحرب.