هاشتاغ _ يسرى ديب
شهدت نسبة التضخم قفزة جديدة خلال الأيام الأخيرة، في حين كان المتوقع أن تشهد الليرة والأسعار مزيداً من التحسن بعد وصول كميات كبيرة من المساعدات النقدية والعينية، بعد رفع الحظر الجزئي والمؤقت عن سوريا.
الخبير المصرفي عامر شهدا بيّن ل”هاشتاغ” أن التضخم لن يكون مرضيا بعد شهرين من الآن، وأن المشكلة في السياسة النقدية الخاطئة، التي تبتعد ببعض مفاصلها عن الفكر المصرفي.
وأوضح شهدا أن الوضع الحالي الذي تمر به البلاد بعد كارثة الزلزال يتطلب رسم سياسة نقدية جديده واستخدام أدوات تعتمد على فكر من خارج الصندوق.
وأشار إلى أنه طالما هنالك منصة وتجار ضمن لجنة إدارة القطع في المصرف المركزي يديرون سعر الصرف، فلن يتحسن الوضع.
وحمل شهدا الجهات المعنية مسؤولية القرار الخاطئ بالتمسك بخيار المنصة لتمويل المستوردات، والتي تسببت برفع الأسعار بنسبة لا تقل عن 40% .
والمنصة هي عبارة عن جهة تجمع الليره السورية التي يدفعها المستورد وينتظر مده تتجاوز خمسة أشهر، وعندها يعلمونه بتأمين القطع لمستوردته ويحسبون سعر القطع بلحظة تأمينه وليس بوقت دفع المستورد لليرة السورية للمنصة.
ويتم ذلك بظل عجز الجهات المعنيه عن تثبيت سعر الصرف، مما يؤدي الى ارتفاع تكلفة الحصول على القطع وفوات فوائد المبلغ المدفوع ومجموعها يشكل 35% من التكلفة، مما يؤدي الى ارتفاع الأسعار وتنامي نسبة التضخم حسب شهدا.
بلد منهك
وبيّن الخبير المصرفي شهدا أنه في بلد منهك لا يجوز أن يتدخل رجال الأعمال في إدارة موارد القطع.
ووصف هذا الأمر بالخطأ الكبير الذي ترتكبه الحكومة، خاصة مع فتح باب التدخل بالإدارة للقطاع الخاص، وليس الاقتصار على المشاركة في القرارات.
وأشار إلى أن دخول القطاع الخاص بإدارة موارد قطع تابعة لخزينة الدولة، خطأ كبير، يدفع للتشكيك بقدرة المعنيين عن السياسية النقدية، على إدارة الكتلة النقدية أو الشؤون المصرفية بكاملها.
إذ لا يجوز، وفقا لشهدا، تأليف مجموعة ذات مصالح لإدارة موارد القطع، فعند عمل المنصة يجب دراسة احتياجات البلد من القطع، والبحث فيما إذا كانت المنصة قادرة على تأمين احتياجات البلد من تمويل المستوردات أم لا على أن تحدد فترة تأمين هذا القطع، وأن يتلازم ذلك مع تثبيت سعر الصرف.
يفتقر المهنية
يشير الخبير المصرفي إلى أن تبرير إحداث المنصة عائد لتنفيذ سياسية نقدية انكماشية، فهذا إجراء يفتقر للمهنية.
كما يدفعنا للتشكيك بالمهنية المصرفية للقائمين على السياسية النقدية في البلد. وبالذات عندما يبررون وجودها بسؤال: أين نذهب بكتلة الليرة السورية الناتجة عن بيع المستوردات؟
هذا السؤال – يقول شهدا – لا يشير لمهنيه مصرفية، ويضيف وكأن المواطن لديه مطبعة يطبع الأموال ويشتري المستوردات. وقال إن هذا السؤال يقابل بسؤال اليوم: أين سيذهب المعنيين بالليرة السورية التي طرحت بالأسواق نتيجة شراء الحوالات الخارجية وسببت تضخما دون طرح أداة لامتصاص الزيادة الحاصلة بالكتلة النقدية نتيجة ذلك؟
ووصف شهدا هذا الطرح (أين نذهب بالليرة السورية الناتجة عن دفع قيمة المستوردات والمطالبة بالبديل) بالطرح المعيب، لأنه اليوم لدينا كتلة نقدية مطروحة في السوق تدور، وليس هنالك مطابع عند التجار والمواطنين ليطبعوا عملة لدفع قيم المستوردات، ورفع نسبة التضخم.
الثمن غالٍ
يقول شهدا إن من رفع سعر التضخم هو المركزي الذي يقوم بشراء الحوالات ولكن دون آلية لعمليات البيع، وبالتالي شراء الحوالات طرح كتلة نقدية كبيرة جداً سندفع ثمنها، وثمنها سيكون غالي جداً إذا لم تتحرك الجهات المعنيه وتستخدم أداة لامتصاص الفائض من الكتلة النقدية .
وبيّن أن عدم وجود سياسة نقدية متوازنة وقرارات مدروسة سبّب ارتفاع نسبة التضخم خلال 15 يوماً الأخيرة بشكل لافت للنظر، وأدى لارتفاع الأسعار.
إضافة لغياب الرقابة على الأسعار والتهاون بموضوع ضبطها.
ووصف شهدا آلية العمل الحكومية بالمستهترة والتي تفتقد حس المسؤولية، ومثاله على ذلك أن الحكومة اجتمعت مؤخراً لساعات مع التجار والصناعيين، للاتفاق على الاستيراد وتوزيع البضائع، كمن يتقاسم قالب كاتو.
وبعد هذا الاجتماع، اجتمعت لطرح رؤيتها في معالجة موضوع تداعيات الزلزال وكأن الزلزال أمر ثانوي بجدول الأعمال.
ويشدد الخبير على أن ما خلفه الزالزال من كارثة يستوجب أن تكون الحكومة بحالة انعقاد دائم، وإعلانها لمناطق منكوبة يستوجب ذلك حسب شهدا.
وأضاف أن الحكومة فضلت أن تجتمع لتقرر السكن البديل للمنكوبين بعد مرور 20 يوماً على الزلزال، فهل هكذا حكومة تعبر عن المستوى المطلوب لإدارة الكوارث والنكبات الطارئ.
إلى المركزي
وعن رأيه في أسباب تراجع قيمة الليرة، قال الخبير الاقتصادي جورج خزام “إن السبب يعود بكل بساطة إلى أن كل الدولارات التي وصلت إلى سوريا تم الاحتفاظ بها في المصرف المركزي”، ولم يتم بيعها في السوق.
وكمثال قال خزام إنه إذا قامت السورية للتجارة باستيراد 50 ألف طن بصل من أجل تخفيض الأسعار، واحتفظت بالكمية في المستودعات ولم تبعها في السوق فهل ينخفض السعر؟ يجيب خزام بالنفي.
وأشار خزام في حديثه ل”هاشتاغ” إلى أن هذا هو الوضع بالنسبة للدولار.
وأضاف خزام أنه تم تجفيف السيولة من الدولار في السوق السوداء لصالح زيادة الوفرة منه في المصرف المركزي، ما أدى لتراجع العرض في السوق السوداء و بالتالي استمرار ارتفاع سعر الصرف.
الحل .. بإعادة البيع
وأشار إلى أنه لا بد من إعادة بيع الدولار بالسوق السوداء لتعويض ما خرج منه.
وبيّن خزام أنه من غير المعقول أن لا يكون الخبراء الاقتصاديين بالمصرف المركزي على دراية بكل هذا!
وأضاف خزام أنه ومن اليوم الأول لرفع سعر الصرف من المركزي إلى 6,650 ليرة، بحيث أصبح سعره قريبا من السوق السوداء، كتبت محذرا من الارتفاع المستمر للدولار، وأنه نسخ منشوراً على صفحة المصرف المركزي حول هذا الأمر!
وأكد خزام أن تخفيض سعر الدولار لا يكون بمنع تداوله أو وضع سقف قسري لسعره، وإنما تخفيض سعر الدولار يكون بتحويله من عملة صعبة مرتفعة القيمة إلى عملة سهلة منخفضة بمتناول الجميع.
تسليم الحوالات بالدولار
وطالب خزام باتخاذ إجراءات إسعافية لتدارك الوضع منها مثلاً تسليم الحوالات الخارجية بالدولار لأصحابها حتى يقوموا ببيع الدولار بالسوق السوداء، وهذا يؤدي لزيادة العرض و انخفاض السعر.
إضافة إلى أن يقوم المصرف المركزي بإعادة بيع تلك الحوالات الخارجية بالسوق عن طريق مكاتب الصرافة و جميع البنوك، وذلك حتى يعود للسوق السوداء ما فقدته من الدولار.
وأن يقوم المصرف المركزي بتسليم 50% من الحوالات الخارجية بعملة الدولار لأصحابها و 50% من الحوالة بالليرة السورية، لكي يقوم مستلم الحوالة بتصريف الدولار بالسوق السوداء من أجل زيادة العرض وانخفاض السعر.
كذلك يقترح الخبير، التوقف عن شراء الدولار بقصد الادخار، و تحويلة إلى العمل الصناعي و التجاري لأنه يحقق ربحية أكبر.
للمضاربة
وأشار خزام إلى ضرورة منع استعمال القروض الممنوحة من المصارف من أجل المضاربة على الليرة السورية، حيث يتم شراء الدولار بمبلغ القرض، ومن ثم يتم تسديد القرض عندما يرتفع سعره، وهذا يؤدي إلى تكبيد المصرف خسائر كبيرة دون أي زيادة بالإنتاج لصالح الاقتصاد الوطني.
ويكون ذلك من خلال تقييم القرض الممنوح، والقسط المدفوع بالدولار، وهنا فقط لن يتم استعمال القروض للمضاربة على الليرة السورية.
ولفت خزام إلى أن نتائج انخفاض سعر الصرف في السوق السوداء على الاقتصاد الوطني كثيرة منها زيادة القوة الشرائية للرواتب الضعيفة.
إضافة إلى زيادة الطلب واستهلاك البضائع، وتخفيض الكساد والبطالة.
وقال خزام “إن تسليم الحوالات بالدولار يساهم في زيادة القوة الشرائية للاحتياطيات المالية بالليرة السورية الموجودة في جميع البنوك، خاصة في المصرف المركزي، وزيادة قدرته على تمويل مشاريع صناعية و خدمية”.
وفقا للخبير خزام، يمكن أن يتسبب ذلك بقيام كل من لديه مدخرات بالدولار لبيعها في السوق حتى لا تنخفض قيمتها أكثر.
مما يؤدي لصدمة بفائض العرض، ومعه المزيد من سرعة انخفاض سعر صرف الدولار، وزيادة الثقة بالعملة الوطنية و بالسياسات النقدية و الاقتصادية.
زيادة الفائدة
في السياق ذاته، طالب الخبير الاقتصادي حسين القاضي، البنك المركزي بزيادة سعر الفائدة بما يتماشى مع حجم التضخم الموجود في البلاد.
وبيّن أنه دون ذلك تكون الخسارة مزدوجة للمواطن الذي يودع أمواله في البنوك، وللمصارف التي تدفع الناس للتوجه إلى أماكن أخرى لإيداع أموالها في غير تلك المصارف.
نقص السلع
وقال القاضي ل”هاشتاغ” إن مشكلة التضخم هي مشكلة العصر حالياً، وإن قياسها يرتبط بعاملين اثنين:
الأول يتعلق بكمية النقود المتاحة بالعملة المحلية ومدى جاهزية أفراد المجتمع للشراء، والعامل الآخر يرتبط بكمية السلع والخدمات المتاحة في المجتمع، فحين تكون السلع كثيرة متنوعة وعملة أقل يصبح هنالك نوع من الكساد، أما عندما تكون السلع غير كافية، والأموال متوافرة، وتبحث عن سلع ولا تجدها، ترتفع الأسعار، ضمن قانون علاقة العرض والطلب.
نسب التضخم الحقيقية
يشير القاضي إلى أن التضخم يقاس بأثره وليس بمقداره، وأنه موضوع نسبي يختلف باختلاف الدول أو حتى المدن ضمن الدولة الواحدة، وذلك تبعاً لمدى توفر السلع وعدد السكان.
كما يمكن لمراقبة أسعار المواد التي تستهلكها أسرة خلال أسبوع في عامين أن يعطي نسبة التضخم الحقيقية التي يجب أن تعتمدها المصارف في تحديد نسبة الفائدة.