هاشتاغ _ لجين سليمان
لم تزل جدليّة الإجحاف والإنصاف بين المواطن والمسؤول قائمة إلى يومنا هذا، فمن هو المُخطئ بحقّ الآخر، ومن الذي أوصل الآخر إلى هذه الدرجة من السوء، والتي بدورها أوصلت بلداننا العربية إلى هذه الحال.
تلك المعضلة التي تشبه إلى حدّ كبير إشكالية “البيضة والدجاجة”.. والتي لم تحسم بعد.
أما ما جعلني أعيد التفكير يوميا بهذه الجدلية فهو الطلبات التي تصلني من الطلاب العرب باعتباري ممثّلة لهم، تلك الطلبات التي جعلتني أشعر وكأنّي معقّبا للمعاملات بدلا من كوني رئيسة للاتحاد.
في البداية كنت أسعى لتلبية كلّ ما يُطلب مني وذلك لأسباب عديدة أوّلها أننا كنا نتطلّع في معظم دولنا العربية إلى مسؤول محبّ يعطينا الحق في أن نكون مواطنين طبيعين، ولكنّ غياب هذا المسؤول حوّل بلداننا إلى مساحات جغرافية خاملة وحدود وهمية “صنعها العدو” يسكنها فراغ كبير كان من الممكن أن يتمّ إشغاله بما يسمّى عادة “حكومة “، و ثانيا لأنني طالبة وأشعر بوجع من أمثّل من الطلاب.
ومع مرور الوقت بتّ أشعر وكأنّي خادمة، ومع هذا لم يزعجني ذاك الشّعور، بل على العكس تماما كنت سعيدة لأنّه وباعتقادي أنّ دور المسؤول هو خدمة الشعب. و لكن على مايبدو أن لهذا الكرسي تأثير كالشيطان يوسوس بين الحين والأخر ويوهمنا برفعة المكانة، وهذا ما دفعني إلى أن أنسى الوظيفة الموكلة إلي ليصبح الشكل “القيادي” هو الأهم. لا بل بتّ أبحث في كل كلمة أسمعها بالتفصيل فيما إذا كانت تنال من هيبتي أم لا ، وتمنيت لو أستيطع ان أقرّ قانونا يمنع النيل من هيبتي.
وفيما كنت أبحث في “الهيبة” وتوابعها، جاءني اتصال هاتفي من أحد الطلاب يتساءل عن إمكانية تقديم امتحان اللغة في الشهر المقبل، وطلب مني أن أسأل المكتب المعني، دفعتني نبرته إلى الشعور بأني مساعدته الشخصية لا ممثلته في الاتحاد، ومع هذا وعدته بأن أوصل طلبه كون مهمتي الأساسية هي إيصال الصوت.
وبالفعل؛ سألت وقدمت الإجابة له في اليوم التالي، ولكنّي لم أستطع إلا أن اقول له: “في المرة القادمة إن أردت أن تستفسر عن أي شيء بإمكانك الذهاب الى المكتب رقم 4 بدلا من سؤالي”، وكأنّ هذا تنصّلا من مسؤوليتي بتقديم الخدمات وتمسكّا مني بهيبة الكرسي فقط.
ومع هذا أصبتُ بتأنيب الضمير، فالبرغم من حزني عليه لأنّه بحاجة للمساعدة، فقد كانت لدي قناعة بأنه يحمل نوعا من الاتكالية، فلماذا لا يذهب بنفسه ويسأل، ولماذا يطلب خدمات من الممكن أن يحصل عليها بنفسه؟
بالمقابل؛ لماذا وجد هذا الكرسي الذي سأنزل عنه بعد أشهر، وما نفعه إن لم أقدّم الخير للآخرين، خاصة أنه لا تمديد لولايتي وبالتالي لا مكاسب.
ولذلك أجبته على نحو سريع وبصوت يحمل الانكسار أكثر من الشموخ: “ولو يا ابني انا موجودة كنت عم امزح معك” وكنت أعلم في داخلي أن حتى هذا المزاح من الأمور غير المقبولة عندما يكون المرء في موقع المسؤولية، لأعود وأستدرك “لكن المزحة تقيلة شوي” وقهقهت بصوت عالٍ رافعة أكتافي بما يتناسب مع إيقاع هذه القهقهة السمجة، ممثلة بذلك المشهد ذاته الذي طالما رأيته في سورية.
على ما يبدو فاقد الشيء لا يعطيه، فمهما حاولنا التغلّب على ما رأيناه وعشناه من ممارسات خاطئة حتى لا ننقلها ميراثا للأجيال القادمة، لن نستطيع، لأنّ هذا السلوك السيء من الأشياء التي اعتدنا عليها، حتى صارت خبزنا اليومي، ولكن ومع هذا هنيئا لمن يملك الوعي ولو في اللحظة الأخيرة للتغلّب على فداحة السلوك السيء الذي يستدعيه المنصب عندما نقع في فخ المسؤولية.