هاشتاغ- إيفين دوبا
خلفَ أبواب غرف مشفى أمراض جراحة وغسيل الكلى في مدينة دمشق قصص لا تنتهي عن مآسي مرضى اجتمع عليهم الفقر والمرض.
وما زاد الوضع تعقيداً ارتفاع أجور غسيل الكلى في سوريا من 963 ليرة إلى 82,500 ليرة سورية، ناهيك عن انهيار الوضع الاقتصادي الذي لم يستثنِ القطاع الصحي، وهذا أجبر كثيرين على تخفيض عدد جلسات علاجهم، جراء تكبدهم ثمن دواء لا قدرة لهم عليه.
أمام بوابة غرفة غسيل الكلى في الهيئة العامة لمشفى الكلية الجراحي تصل ريم البالغة من العمر (31 سنة) برفقة شقيقتها تنتظر دورها في قوائم الانتظار. عند دخولها، بدت علامات التشنج على وجهها كما تغير لون وجنتاها كأنها تصاب بنوبة من إحدى التي تُلمّ بها منذ أُصيبت بالفشل الكلوي قبل 4 سنوات.
وخلال سنوات مرضها تركها زوجها تعايش المرض وحدها من دون وجود معيل لها. فوالدها اختطفته مجموعات مسلحة في منطقة الحولة بحمص منذ عام 2015 كما خسرت ما يزيد على 12 كيلوغراماً من وزنها وبدأت تعاني مضاعفات الفشل الكلوي من الالتهاب الرئوي والشحوب وضعف المناعة وغير ذلك. وتقول ريم إنها تأتي مرتين أسبوعياً، تجلس على أحد الأسرّة مدة لا تقل عن 4 ساعات متصلة بأنابيب إلى جهاز غسيل الكلى، ليعمل لتنقية الدم فيعاد من جديد إلى جسمها.
هذه سيدة من بين 176 مريضاً يعانون الفشل الكلوي يتلقون العلاج مجاناً في مشفى الكلية الجراحي، بحسب قول المعاون الطبي في الهيئة، الدكتور غسان محمد. عبّرت عن حالتها بحزن قائلة: “أنا هنا مريضة لتلقي العلاج، وأخرج وأبقى مريضة، فحياتي معلقة بين الموت ببطء والبقاء على قيد الحياة أقضيه بشرب الأدوية والقدوم إلى المشفى وحيدة في غالبية الأوقات”.
وتفاجأ مرضى في الهيئة العامة لمشفى الكلية في دمشق، عند مراجعتهم المشفى لإجراء جلسة الغسيل بارتفاع كلفة الجلسة من 963 ليرة سورية، إلى 82 ألفاً و500 ليرة سورية.
وقال المرضى إنهم أبلغوا الموظف المسؤول عن منحهم الإيصالات لتسديد تكلفة الجلسة، بعدم درايتهم بارتفاع الأجور وأنهم لا يملكون هذا المبلغ، ليتواصل الموظف مع مديرة المشفى التي سمحت بالتغاضي عن أجور هذه الجلسة والتشديد على المبلغ المطلوب في الجلسات القادمة.
المعاون الطبي في المشفى قال لـ “هاشتاغ”، إنه فور صدور التعديل الذي أصدرته وزارة الصحة تم تلقي عدد من الشكاوى حول عدم قدرة المرضى على دفع أجور غسيل الكلية. ويصل عدد المرضى الذين يتلقون العلاج بشكل مأجور إلى 106 مرضى. يحتاج كل واحد منهم إلى جلسة غسيل كل ثلاثة أيام.
وكانت وزارة الصحة قد أصدرت تعرفة جديدة للمعاينات والأجور منها رفع أجور جلسات غسيل الكلى، على الرغم من عدم إصدارها إعلاناً بذلك، معتبرة أن القرار يندرج في إطار القرار الصادر في حزيران/ يونيو الفائت والذي يتضمن تحديد تعرفة جديدة للمعاينات الطبية وأجور المشافي.
وكانت الوزارة قد رفعت أجور معاينة الطبيب الممارس العام إلى 25 ألف ليرة سورية، ومعاينة الطبيب المختص في العيادة إلى 40 ألف ليرة سورية، ومعاينة الطبيب المختص الذي تجاوزت ممارسته المهنة 10 سنوات إلى 50 ألف ليرة سورية.
كما رفعت الوزارة تعرفة الاستشارة الطبية المتضمنة الكشف على المريض لدراسة ملفه وكتابة تقرير عن وضعه الصحي إلى 150 ألف ليرة سورية، وعدلت سعر الوحدة الجراحية من 700 ليرة سورية إلى 5 آلاف ليرة سورية، أي بما يزيد على 600 في المئة.
ويواجه المرضى صعوبة في تأمين 660 ألف ليرة شهرياً لجلسات غسيل الكلى. ولا يستطيع مرضى الكلى مزاولة أي أعمال ويعتمدون المشافي العامة بسبب الدخل المحدود.
أحمد عبد الكافي من طرطوس يقطع مسافة 250 كيلومتراً في كل مرة لمراجعة مشفى الكلية. يروي كيف انقلبت حياته رأساً على عقب منذ عامين وبات يحتاج إلى جلستين أسبوعياً، وقال في حديثه لـ”هاشتاغ”: “كنت أُعالَج سابقاً بالمشفى الوطني الحكومي في بانياس لكن هناك زحمة كثيرة، وغالبية الأجهزة كانت معطلة ولا يوجد أطباء مختصون”.
وداخل غرفة مخصصة للعلاج بمشفى الكلية بدمشق استلقى الرجل على سرير إلى جانبه جهاز غسيل كلية بشاشات حديثة وأرقام تتغير كل ثانية، وكان ظاهراً تدفق الدماء الحمراء عبر أنابيب موصلة ليده اليسرى وهو مستلقٍ على ظهره ينتظر بصبر. وقال: “لا أملك إمكانات العلاج في المشافي الخاصة أو زرع كلية جديدة، وضعنا صعب، أنقذونا قبل فوات الأوان”.
المعاون الطبي في الهيئة العامة بمشفى الكلية بدمشق، قال إن التراجع عن رفع أجرة غسيل الكلية جاء بسبب الوضع الصعب الذي يعانيه المرضى. ولفت إلى أن وزارة الصحة عدلت أجور المشافي العامة كلها، وتتكلف الدولة بحسب قوله من 5 إلى 6 ملايين شهرياً على مريض غسيل الكلية.
الوزارة، بحسب قول “محمد” فكرت أنه يمكن الاستفادة من رفع أجور غسيل الكلية لصيانة الأجهزة ودفع أجور التمريض. لكن المرضى لم يتحملوا قرار رفع السعر وبالتالي تم التراجع عنه ليصبح السعر الجديد 15 ألف ليرة أجرة جلسة الغسيل الواحدة.
يُذكر أن الرابطة السورية لأمراض وزرع الكُلْية قدَّرت في إحصاءاتها السنوية للعام الفائت وجود 3000 شخص يعانون مرض الفشل الكلوي المزمن على مستوى سوريا، وقد يكون عددهم الحقيقي يتجاوز 5 آلاف لأن ثلث المرضى لا يصلون إلى الطبيب أو المخابر المتخصصة لتشخيص مرضهم، بينهم 500 مريض في مناطق شمال شرقي، والعدد نفسه يعيش شمال غربي البلاد.
ويعاني القطاع الصحي في مناطق شمال شرقي سوريا الهشاشة، ويصفه كثيرون من مرضى الكُلى أنه على حافة الانهيار، بسبب نقص الأجهزة والأدوية والمستلزمات الطبية، ما يُجبر المقتدرين من المرضى على العلاج في المشافي الخاصة أو الهروب الى المشافي الحكومية وتأمين دور في حال توفر ذلك.
وتقول مصادر خاصة لـ”هاشتاغ” من داخل الهيئة العامة بمشفى الكلية، إنه يوجد ما يقارب الألف مريض على قوائم الانتظار المجاني لا يستطيعون تأمين أدوار لهم بسبب الضغط على المشفى.
وتذكر تقارير طبية أنه من بين كل مليون سوري يصاب ما بين 65 و70 مريضاً بالقصور الكلوي النهائي في كل عام، يحصل 14 شخصاً فقط على فرصة لزراعة كلية، وكل جهاز غسيل كلية بمشافٍ مجانية يحصل 16 مريضاً على خدماته.