نضال الخضري
بانتظار ظهور الهلال تجتاح ضوضاء الأيام كل المساحات الهرمة ما بين العبادة ومفاجآت الواقع، وما بين ضجيج السياسة لوقف الموت الممنهج في غزة ولحظات القلق بأن تصبح موائد الإفطار صورا قائمة، فرمضان بات يتجاوز ذكريات الطفولة أو مرويات التاريخ ويضع شكلا آخر أمام عبادة عليها أن تحمل حالة شفافية، وإحساسا مرهفا بأن عدالة الأرض مستحيلة، ومشاركة الجياع في غزة شأن رمضاني قديم لا علاقة له بمواسم الدراما المرافقة لهذا الشهر الفضيل.
هناك لحظات مرعبة قبل رمضان تجتاحنا بحجم الترتيبات التي يرميها الجميع أمامنا، ابتداء من ازدحام الأسواق وصولا إلى تكدس التصريحات السياسية، وكأن الزمن يلاحق الجميع ويريد كسر المسافات دون جدوى، فالتوقيت الرمضاني ينقلنا لتحذيرات بأن اللحظات القادمة لا تحمل الجوع إنما صورا متفرقة لما يحيط بنا الآن من قيود تجعلنا نتحرك في المكان بينما الزمن يمضي نحو ظهور الهلال، وباتجاه ساعات لا تختلف عن باقي الأيام إلا بالقدر الذي يجعل من الطعام هما، ومن هبوط المساء توقيتا يلف الجميع.
ومن المفارقات أننا نرى رمضان الحالي في كل صور العالم، حيث أصبحت غزة توقيتا دوليا لكنه لا يرتبط بنا، وعندما يأمل السياسيون بوقف إطلاق النار في غزة قبل رمضان، فهم يرسمون صورة مختلفة لزمن أصبح الصوم فيه قسريا على الغزاويين، وغدت رغبة القتل تتجاوز “الأشهر الحرم”، فثقافة الماضي لا يعرفها سوانا، ولا يدركها سوى الجوع المستوطن في الشوارع الفلسطينية من صفد وحتى رفح، وهؤلاء صائمون أبديون وسط شره دولي لكل أشكال الموت الذي يحاصر فلسطين.
السؤال الذي يداهمنا قبل رمضان: هل هناك صوم سياسي؟ فاستعجال الحل يبدو وكأن رمضان سيفرض صوما دبلوماسيا، وسيحرم الغزاويين من أمل توقف الموت الذي يطوف بهم في كل اللحظات، وتوقيت الصوم كفعل سياسي يحمل غرابة تتفوق على ما يجري في عالم أصابه صمت أبدي منذ بدء المحنة الغزاوية، أو ربما قرر العالم الصوم فتوقفت عنده عجلة التفكير والحركة أمام تفوق الإعلام في جعل الموت مشهدا دراميا ضمن أطول مسلسل تلفزيوني عاصرناه.
اللحظات المرعبة قبل الصيام لا ترتبط بعبادة قديمة، أو بثقافة تهذيب النفس والتعاطف مع المحرومين، فهي مسار حكاية أبدية نكتب فصولها كي لا نختم سردية الموت الذي أحاط بغزة أو بأي مدينة في المساحة التي تحيطنا، فنحن كسبنا في غزة العالم، على الأقل وفق الإعلام، وخسرنا أنفسنا عبر وهم بأن ما يعنينا سيؤثر بسياق السياسة، وهو ما جعل توقيت رمضان لحظة فارقة ربما ستقنع القاتل بالتوقف عن الذبح، أو تحرك السياسة الصفراء كي تحاصر هذا القاتل، لكن من العبث أن نفرض “قيما” على السياسة، فالحرب لم تخضع في أي زمن للقيم، أو لحالة إيمان عميق بأن هناك شهر فضيل ربما يؤثر في مسار ما يجري، وانتظار شهر الصوم لن يوقف الحرب لكنه سيعلق في ذاكرتنا تلك اللحظات المرعبة للجوع الذي يلاحق الغزاويين.