قال المبعوث الأمريكي السابق إلى شرق الفرات السفير ويليام روباك، إن “واشنطن ليست في عجلة من أمرها بالوضع الراهن في سورية”. معتبراً في حديث هاتفي مع صحيفة “الشرق الأوسط” أن هناك “فرصة” أمام إدارة الرئيس جو بايدن، لمراجعة السياسة الأميركية في سورية، والإجابة عن أربعة أسئلة تخص ذلك، هي: “هل سوريا أولوية؟ ما هي الأهداف الأميركية؟ ما هي الأدوات المتوفرة لتحقيق هذه الأهداف؟ ما هي التكلفة الإنسانية على الشعب السوري؟”.
دعم “دولة كردية” مقاربة غير بنّاءة
السفير روباك، الذي عمل مستشاراً سياسياً في السفارة الأميركية بين 2004 و2007 ومبعوثاً للإدارة الأميركية إلى شمال شرقي سورية بين 2018 و2020، ونائباً للمبعوث إلى سورية جيمس جيفري أبرز المرشحين لشغل المنصب من جديد في إدارة بايدن، كما ساهم برعاية الحوار الكردي – الكردي، أكد ومن منطلق تجربته هذه أن الأوضاع في منطقة شرق سورية تختلف عن إقليم كردستان العراق، مؤكداً أن واشنطن لا تدعم قيام دولة كردية، كما تعتقد أن العمل على قيامها سيكون مقاربة بناءة. وأضاف “دورنا كان واضح قدمنا مساعدات عسكرية لتعزيز دور “قسد” ضد “داعش”، وليس للسيطرة على شمال شرقي سورية.”
خمسة أهداف قيد المراجعة
واعتبر روباك أن أمريكا حددت قبل سنوات أهدافها في سورية، بخمسة، هي: أولاً، هزيمة “داعش” ومنع عودته. ثانياً، دعم مسار الأمم المتحدة لتنفيذ القرار الدولي 2254. ثالثاً، إخراج إيران من سورية. رابعاً، “منع النظام السوري من استعمال أسلحة الدمار الشامل والتخلص من السلاح الكيماوي. خامساً، الاستجابة للأزمة الإنسانية ورفع المعاناة عن الشعب السوري داخل البلاد وخارجها.
أوراق نفوذ وعرقلة وضغط
ولفت ورباك إلى أن واشنطن ولتحقيق هذه “الأهداف” الخمسة في سوريا، امتلكت أميركا عدداً من “أوراق أو أدوات النفوذ والعرقلة والضغط”.
أما “أوراق النفوذ” فتشمل، حسب وقوله: أولاً، الوجود الأميركي المحدود في القسم الشرقي من شمال شرقي سورية قرب ثروات النفط والغاز وحدود العراق. يتراوح عدد القوات الأميركية بين 500 و800 من جنود ومتعاقدين. ثانياً، دعم “قسد” وشركاء محليين بعددهم (100 ألف) وعدتهم، حيث يسيطرون على تلك المنطقة الاستراتيجية ومواردها وطرقها. ثالثاً، “العقوبات الاقتصادية ضد النظام”. رابعاً، “التحالف الدولي ضد داعش”، حيث يوفر منصة نفوذ دبلوماسية دولية. خامساً، التأثير عبر الأمم المتحدة الذي سعت الصين وروسيا لمواجهته.
في حين تتمثل “أواق العرقلة”: أولاً، “وقف أو تبطيء” جهود التطبيع العربي أو الأوروبي مع دمشق. ثانياً، وقف إعمار سورية ومساهمة دول عربية وأوروبية في ذلك. وبالنسبة إلى “أوراق الضغط”، فتتمثل بورقتي: الاعتداءات الإسرائيلية “للضغط على النظام”، والوجود التركي في شمال غربي سورية “لمنع سيطرة النظام عليها”. مستدركاً بالنسبة للورقة التركية بالقول “إن ما فعلته تركيا بين رأس العين وتل أبيض شرق الفرات، يطرح سؤالاً: هل الوجود التركي أداة ضغط أميركية أم لا؟”
الاستمرار بالوضع الراهن: الجمود الممدّد
وأشار السفير السابق روباك، إلى أن فريق بايدن وفي ضوء هذه “الأهداف” الخمسة، و”الأوراق” الثلاثة، يقوم بمراجعة السياسة الأمريكية تجاه سورية، وذلك للإجابة عن أمور محددة: “هل سورية أولوية للإدارة؟ هل أهدافنا لا تزال نفسها؟ هل لدينا أدوات لتحقيق الأهداف؟ ما هي التكلفة الإنسانية للسوريين إذا حافظنا على السياسة أو غيرناها؟”. يضاف إلى ذلك، ما هي المحددات القانونية في أميركا باعتبار أن “قانون قيصر” الذي يفرض عقوبات لا ترفع إلا بشروط معينة.
ورأى روباك، أنه وفيما يخص “أولوية الحفاظ على هزيمة داعش وتوفير الأمن شرق سوريا”، يمكن لواشنطن أن تحققها عبر دعم “الاستمرار في الوضع الراهن” وما يسمـى بـ”الجمود الممدد” حسب تعبيره، مع الحفاظ على الوجود العسكري بوصفه “استثمار كبير بتكلفة قليلة غير ضاغطة على واشنطن”.
ثلاثة تغييرات مع الإبقاء على الوضع الراهن
وفي ضوء ذلك، كشف روباك “ليست هناك عجلة في الإجابة عن الأسئلة. فريق بايدن، لديه الوقت الكافي للوصول إلى سياسة والإجابة عن الأسئلة”. وإلى حين ذلك، قد تتجه الأمور حسب تقديراته إلى “الإبقاء على الوضع الراهن” عبر توفير الدعم لـ”قسد” مع إجراء ثلاثة تغييرات: أولاً، إلغاء قانون تجميد الأموال المخصصة لـ”دعم الاستقرار” شرق سورية، هذا التجميد الذي كان اتخذه الرئيس دونالد ترامب لعامي 2018 و2019، وأوقف بموجبه صرف واشنطن حوالي 300 مليون دولار أميركي، عوضته دول عربية وخليجية بتوفير 600 مليون دولار في سنتين. والتغيير الثاني، إعادة تعريف “الاستقرار” لأن التعريف القانوني الأميركي السابق عرقل كثيراً من وسائل الدعم. أما التغيير الثالث “ذهاب واشنطن إلى حلفائها الدوليين والإقليميين للتشاور معهم إزاء الأسئلة قبل إعلان السياسة والتغييرات”.
وعن تقديره لاتجاهات السياسة الجديدة، قال روباك: “لا بد من النظر بدقة إلى مصالح أميركا الحقيقية والأدوات الفعلية التي نملكها، وتكلفة ذلك على السوريين: ماذا نريد؟”. وتابع بالقول “سورية كبيرة جداً، في موقع مهم تجاور دول حليفة لنا. نريد حكومة فاعلة لا تسمح بوجود جيوب أو مناطق يعمل فيها داعش ويخطط لهجمات أو أشياء خطرة ضد مصالحنا”. وأضاف “من السهل الاستمرار بالسياسة الأميركية في المدى المنظور، لكن قدوم إدارة أميركية جديدة يعطي فرصة في واشنطن، لإعادة تقييم سياستنا إزاء سورية والتشاور مع حلفاء أميركا إزاء الخطوات المقبلة”.
“الإدارة الذاتية” ليست دولة وهي غير مستقرة
وبالعودة إلى الوجود الكردي في شرق سورية، وموقف واشنطن من “الإدارة الذاتية”، قال روباك “الإدارة الذاتية ليست دولة. هي غير مستقرة. إنها إجراءات مؤقتة لمحاربة داعش”. مؤكداً أن لا نسحاب أمريكي في الأشهر الثلاثة المقبلة والمدى المنظور، لكن “لن نبقى إلى الأبد في شمال شرقي سورية”.
وختم روباك بالإشارة إلى أن فريق إدارة ترامب دعم قيام “قسد” وجناحها السياسي “مجلس سوريا الديمقراطي” باتخاذ الخطوات الضرورية اللازمة لبقائهم حتى لو تضمن ذلك إجراء مفاوضات مع الحكومة السورية. وقال “لقد جرت جولات من المناقشات لم تؤد إلى نتيجة إلى الآن. لكننا شجعناهم ونشجعهم على القيام بما يخدم مصلحتهم”.