هاشتاغ – حسن عيسى
“شيل يا ملك”، “صحتين للي ضرب”، “الريت مجرّد رقم”، عباراتٌ إن كنت قد سمعت بها للمرة الأولى فأنت ما تزال بعيداً عن الغوص في بحر المراهنات الذي بدأ يغزو عقول الشباب السوري خلال الفترة الأخيرة، والذي أصبح ظاهرةً متفرّدةً بحد ذاتها، وموجةً لا يركبها ضعفاء القلوب، بحسب قول روّادها.
ويكفي أن تجلس بين مجموعةٍ من الشبان السوريين أو المراهقين وتذكر اسم أحد هذه المواقع، حتى تنهال عليك الآراء والأفكار والتفاصيل التي تُظهر كمية الانتشار الهائل لهذه الظاهرة، وحتى لو كان بعضهم غير مهتمٍ بها فلا بد من أن يكون قد أصبح على درايةً كافية بماهيتها ما يشير إلى مدى سيطرتها على عقول الغالبية العظمى.
الصور المتاحة حول ظاهرة مواقع المراهنات في سوريا تتفاوت بين الإعجاب بفرص الربح السريع والقلق من تأثيراتها السلبية في الفرد والمجتمع، سيما وأنها باتت للكثير من السوريين أحد مصادر الدخل “الوفير” من جهة، وبئراً عميقاً يلتهم ملايين الليرات من أموال الفقراء وغير الفقراء الساعين إلى التغيير المادي في حياتهم.
“شجرة الذهب” و”المدفع” و”أتلانتس” و”كينغ كرافت” وغيرها من أسماء الألعاب، أصبحت بين ليلةٍ وضحاها إحدى أشهر الأسماء المتداولة بين الشبان، والتي طغت الأحاديث عنها بينهم عن أحاديث الارتباط والمستقبل والفتيات، بل وحتى السياسة والدين والأزمة.
أرقام صادمة!
مع تزايد الأزمة الاقتصادية والمعيشية في سوريا، شهدت مواقع المراهنات انتشاراً ملحوظاً، إذ باتت وسيلةً للبحث عن ربحٍ سريعٍ وكبير في ظل ندرة فرص العمل في البلاد وتدني الأجور والرواتب لمستوياتٍ غير مسبوقة.
وتُظهر أرقام الأموال الهائلة التي يتم صرفها يومياً على هذه المواقع حجم الطلب عليها، وتشير المعلومات والبيانات الموجودة بداخلها إلى أن عشرات الآلاف من السوريين يشاركون في هذه الأنشطة بانتظام، في حين يصل حجم تلك الأموال إلى مئات ملايين الليرات في اليوم الواحد.
يشرح “رائد روبيرت”، كما يسمي نفسه، أحد وكلاء هذه المواقع، كيف تظهر أرقام الأموال والعملاء الكبيرة في موقع المراهنات، وكيف أنها ليست بالمجمل أرقام حقيقية بل بعضها يكون ناتجا عن ربح الزبون وتضاعف قيمة المال الذي يلعب به لعباً كبيراً.
ويقول “رائد” لـ “هاشتاغ”: “بعض العملاء يفتحون حسابات بمبالغ كبيرة قد تصل إلى ملايين الليرات، وعندما تتضاعف هذه الأموال نتيجة الربح تبقى مسجلةً في بيانات الموقع، أي ليس بالضرورة أن تكون جميعها أموال ناتجة عن تحويلات حقيقية لحسابات أولئك العملاء”.
ويضيف: “غالبية العملاء يبدؤون حساباتهم بمبالغ بسيطة جداً لا تتعدى الدولارين ويعملون لاستثمارها ضمن الموقع بالرهان على الأحداث الرياضية بمختلف أنواعها، أو باللعب بألعاب تسمى ألعاب الكازينو، وفي كلتا الحالتين يعتمد الربح على الحظ بالدرجة الأولى، لكن في الحالة الأولى تلعب متابعة الزبون واهتماماته الرياضية دوراً كبيراً في توقّعه الصحيح للأحداث والنتائج”.
الوقود الفعلي لمواقع المراهنات
على الرغم من المخاطر المرتبطة بالمراهنات، فإن الفقراء وذوي الدخل المحدود يشكلون النسبة الأكبر من المشاركين في هذه الأنشطة، إذ يرى الكثيرون في هذه المواقع بوابةً لتحقيق أحلامهم المادية، وربما الوصول إلى الثراء بسرعة، بعيداً عن العمل الشاق والوظائف متدنية الأجور.
ويظهر هذه انتشار مواقع المراهنات وألعاب الكازينو الكبير في القرى والمناطق النائية بمحافظات سورية مختلفة، خصوصاً في الأماكن التي تندر فيها الفرص ويكثر فيها الشبان العاطلين عن العمل، الذين يجدون صعوبات في تأمين قوت يومهم فيتجهون إلى تلك المواقع التي تهوي بغالبيتهم إلى الحضيض نتيجة إدمانها ولا تنتشل منهم إلا ما ندر.
وفي هذا السياق، يروي “ماجد. ب” (23 عاماً) من إحدى قرى ريف حمص كيف تسبب إدمانه أحد تلك المواقع في خسارته مبلغاً يفوق الـ35 مليون ليرة سورية في أقل من شهرين، مبيناً ان طمعه في الحصول على مزيد من الربح وإيفاء ديونه أدى إلى تكبده ديونا مضاعفة بمئات المرات.
ويقول “ماجد” لـ “هاشتاغ”: “البداية كانت عندما سمعت كيف أن أحد الأشخاص ربح مبلغ 500 مليون ليرة، هذا الأمر دفعني للتواصل مع أحد الوكلاء وفتح حساب بقيمة 50 ألف ليرة، ربحت منها ما يقارب المليوني ليرة قبل أن أبدأ بالسقوط وتكرار عمليات شحن الحساب مراراً وتكراراً”.
ويضيف: “في الشهر الثاني كان هدفي تعويض خسارتي فقط، بدأت تتراكم علي الديون نتيجة هلعي لإعادة ما كنت قد استدنته في السابق، وها أنا الآن مدانٌ بـ 35700000 ليرة سورية، الأمر كان أشبه بباب الفرج حتى أصبح باباً للجحيم لي”.
إغراء وتسويق ومصداقية في التعامل
على الرغم من كونها أفرغت جيوب الكثيرين وأفقرتهم، لا يمكن إنكار مصداقية وكلاء بعض تلك المواقع في تسليم أرباح العملاء مهما كانت قيمتها، فكل ما عليك فعله في حال تعرضك للانتهاز والاستغلال من أحد الوكلاء سوى التقدم بشكوى لأحد المشرفين، وستحصل على أرباحك حتى لو كانت بالمليارات.
ولا يتوقف الأمر عند المصداقية فقط، فبعض المواقع تسعى إلى جذب عملائها بوساطة حملاتٍ إعلانية متقنة واستراتيجياتٍ تسويقية مبتكرة، تظهر في بعض الأحيان بوستراتٍ دعائية مصممة بعناية، أو صور لمبالغ تحصل عليها البعض من الرهانات، أو فيديوهات تبيّن مقدار ربح أحد العملاء من إحدى الألعاب وهو الأسلوب الأكثر إثارة وجاذبية للكثيرين.
وقد وصل الأمر في بعض الحالات إلى مستوى أصبحت فيه الصفحات والمنشورات المتعلقة بهذه الظاهرة هي الأكثر رواجاً في مواقع التواصل الاجتماعي، في حين تفاوتت الآراء حولها بين منددٍ ومحللٍ ومحرم، وبين من يستعرض أرباحه ومن يبكي أطلال ثروته التي خسرها في دقائق بعد أن قضى أشهراً في جمعها.
وبالحديث عن الثروة، يحكي “يونس خ” (26 عاماً) من قرى ريف طرطوس، حكايته في التحول من شابٍ بائس عديم الحال إلى مليونير ربح مبلغ يقارب الـ 560 مليون ليرة بوساطة لعبة كازينو في أحد مواقع المراهنات.
ويقول “يونس” لـ “هاشتاغ”: في البداية لم أصدق الأمر، كنا مجتمعين حول طاولة المتة، وعندما رأيت رقم الربح صرخت بأعلى صوتي ورميت الهاتف أرضاً، لقد أصبحت مليونيراً، وفي اليوم التالي تسلمت المبلغ كاملاً وها أنا أبدأ حياة جديدة”.
ويضيف: “ليس لدي إيمان مطلق بهذه الأمور، لا أستطيع القول سوى إني محظوظ، كنت قد خسرت على المراهنات ما يقارب المليون ليرة، وبضربة واحدة استعدت ما دفعته خمسمئة ضعف، بعد أن تسلمت أموالي عاهدت نفسي على اعتزال هذه المواقع لأني أعلم أنها المرة الأولى والأخيرة التي سأحصل فيها على مثل مبلغ كهذا”.
الحكم الديني والقانوني
لا يوجد إجماع ديني واحد وموحّد وثابت فيما يتعلق بموضوع المراهنات وألعاب الكازينو، فبعض دور الإفتاء تحرمه بداعي أنه “من أفراد الميسر” وفيه أكل لأموال الناس بالباطل أي بلا مقابل حقيقي، في حين أن بعضها تجيزه في أمورٍ محددة ووفق معايير مختلفة على الشخص أن يراجعها قبل خوض غمار هذه التجربة.
وفيما يتعلق بالشق القانوني، تعد مواقع المراهنات وألعاب الكازينو غير مرخصة في سوريا كما أنه لا يوجد تشريع قانوني يسمح بأي نوع منها، في حين أن قانون العقوبات السورية عرّف ألعاب القمار في المادة /618/ منه على إنها “الألعاب التي يتغلب فيها الحظ على المهارة أو الفطنة”.
وفي المادة /619/ يشير قانون العقوبات إلى تغريم العاملين بألعاب القمار بعقوبة السجن لمدة تتراوح بين ثلاثة أشهر إلى سنتين، إضافة إلى الغرامة بمبلغ مئة ألف ليرة، في حين نصت المادة /620/ على عقوبة الغرامة من مئة إلى مئتي ألف ليرة سورية لكل المتعاملين بهذه الألعاب.
يشير المحامي “زياد إسماعيل” في حديثه لـ “هاشتاغ” إلى أنه لا يوجد أي ترخيص لمواقع المراهنات في سوريا، مبيناً أن تلك المواقع تدار من الخارج ووكلاؤها يعملون ضمن البلد بشكل غير قانوني، لكنه ذكر أن القانون السوري لا يوجد به ما يجيز توقيف هؤلاء الأشخاص تعسفيا.
ولفت اسماعيل إلى أنه في حال تقدم شخص بشكوى معينة تتعلق بهذه المواقع يمكن متابعتها والوقوف على حيثياتها وملاحقة المتورطين بها مثلها مثل أي قضية أخرى، لكنه لا يمكن عد التعامل مع مواقع المراهنات بمنزلة جناية أو جنحة أو جريمة يعاقب عليها القانون.