يقدم قرار وزارة الخزانة الأمريكية بشأن فتح التعامل مع المشاريع غير الربحية في سورية صورة عن التفكير بالأزمة السورية، فالإجراءات الأمريكية الجديدة تتيح للهيئات الدولية غير الحكومية مساحة عمل أكثر مرونة، وستمنح وفق التصور الأمريكي حلولا لـ”المعاناة الإنسانية” خصوصا في ظل جائحة كورونا.
هاشتاغ-رأي- مازن بلال
في المقابل فإن القرار الأمريكي يطرح آلية تبدو طويلة الأمد بشأن التعامل مع دمشق، فهو يعيد رسم الأزمة السورية من منظور مرتبط بالعلاقات مع الحكومة السورية تحديدا، ويترك مسألة التطبيع الإقليمي مع سورية جانبا، بينما تبدو المفاوضات السياسية في جنيف أو أستانة ضمن الاحتمالات المتروكة للزمن، فالموقف السياسي الأمريكي يستبدل طرح المواقف السياسية بتكريس بدائل على المستوى “الإنساني”.
عمليا فإن المنظمات غير الحكومية المحلية أو الإقليمية ستأخذ موقعا ضمن الواقع السوري، ويمكن أن يتطور دورها مع استمرار الأزمة السورية والصعوبات الاقتصادية المرافقة لها، فالتطبيع السياسي مع دمشق سيبقى محدودا بعدم القدرة على اتخاذ أبعاد كاملة للعلاقات الإقليمية نتيجة العقوبات، ومن هذه النقطة تحديدا يمكن للهيئات غير الحكومية أن تتعامل مع المشاريع التي لا تقدم استدامة استثمارية، لكنها تحل بعض مشاكل القصور في المواضيع الإنسانية كالصحة والطفولة وغيرها.
أتاح القرار الأمريكي أيضا للمنظمات غير الحكومية التعامل مع السلطات السورية بشأن المشاريع غير الربحية، وهو أمر يعفي هذه المنظمات من تبعات العقوبات التي تطال علاقة المؤسسات الأخرى مع الحكومة السورية، ويطرح هذا الأمر مسألتين أساسيتين:
-الأول إمكانية حل جملة من الأزمات خارج الإطار الحكومي، ورغم أن “المسائل الإنسانية” هي ضمن السياسات العامة للحكومة، إلا أن إمكانية تنفيذها لن تكون ضمن الإطار الحكومي، ويبدو هذا الأمر للوهلة الأولى نوعا من تخفيف العبء عن الحكومة، لكنه يخلق مشكلة على المستوى السيادة.
في حال تطور دور المنظمات غير الحكومية في التعامل مع المسائل “غير الربحية” فإنها ستحمل مهام جوهرية ضمن السياسات العامة في سورية، وبغض النظر عن إمكانية وصول عمل المؤسسات غير الحكومية إلى هذه المرحلة، إلا أنها توضح بعض التصورات الخاصة للسياسة الأمريكية تجاه سورية، فهي تراها اليوم ضمن عملية تفكيك “مهام الدولة” كما كانت قبل 2011، أو حتى كما تأسست عليها الدولة السورية منذ الاستقلال.
-الثاني اتجاه الولايات المتحدة نحو تفكيك الأزمة السورية من التعامل المركز في التفاوض عبر الأمم المتحدة، ورغم أن هذا الأمر ليس جديدا فالعقوبات بحد ذاتها تعتبر تعاملا مع الأزمة من خارج الأمم المتحدة، لكن المهم هنا أن الإدارة الأمريكية الحالية لا تستعمل الضغط على الأطراف، إنما تطويع المواقف من أرضية مختلفة كليا.
مؤشرات السياسة الأمريكية عبر قرار الخزانة الأمريكية الأخير هو طرح ممكنات مختلفة، واحتمالات مفتوحة لأبعد الحدود تجاه السياسات العامة للحكومة السورية، فاللجنة الدستورية أو أي تفاوض سينتهي إلى ظهور “سياسات عامة” تتعامل على تنفيذها المنظمات غير الحكومية في مجالات أساسية بالنسبة للمواطن السوري، فالتصور الأولي، وبغض النظر عن إمكانية تنفيذه عمليا، هو إتاحة المجال لتوازن داخل بين الحكومة والمنظمات غير الحكومية بدلا مما هو حاصل الآن بين سياسة حكومية ومعارضة.
المسألة الإنسانية أساسية في سورية، وتحتاج لأكثر من قرار أمريكي بالمساعدة، لأنها موضوع يتعلق بالمجتمع السوري بالدرجة الأولى وبقدرته على خلق فرص ذاتية على المستوى الداخلي، فما هو ممكن من الموارد لا يتوقف على هيئات دولية غير حكومية (NGO)، بل أيضا على إمكانية سورية في توفير هذه الموارد داخليا أو عبر السوريين في العالم.