هاشتاغ_مازن بلال
كشف محاولات فتح قنوات دبلوماسية بين أنقرة ودمشق مساحة خفية داخل الحرب السورية، فالصراع الحقيقي منذ عام 2011 كان مع تركيا التي شكلت المعبر الأساسي للضغط على دمشق، وفي نفس الوقت فإن تركيا هي الدولة الأساسية التي لم يكن بمقدورها الانسحاب من الصراع؛ ليس بسبب الجغرافية المشتركة مع سورية فقط، بل لأنها شكلت ارتباطا بين أمنها القومي والصراع في سورية، والقنوات الدبلوماسية التي يمكن أن تظهر اليوم أن إنهاء الأزمة لا يستند إلى أي شكل إقليمي أو دولي تقليدي، فهناك أزمة في القدرة على رؤية سورية لمرحلة ما بعد الأزمة، وأشكال المصالح التي يمكن أن ترتبط بها.
هناك مصالح دولية منهارة في شرقي المتوسط اتضحت بشكل سريع بعد الفشل في الوصول إلى قرار أممي، فحق النقض الذي استخدمته كل من روسيا والصين لم يعبر فقط عن تناقض بين عواصم القرار الدولي، بل بين أمرين أساسيين:
– الأول تجنب البحث بشكل جدي عن الاشتباك الدولي على الأرض السورية، رغم أن هذا الاشتباك شكل أذرعا للتفاوض من خلال وفود سورية، وشكّل أيضا تنافسا إقليميا في احتواء اللعبة السياسية في سورية ولكن وفق رؤى متباينة.
على المستوى الإقليمي كان التفكير يذهب وفق بعدين مرتبطين بمحاصرة الدور الإيراني، وعلى الجانب الآخر محاولة أنقرة امتلاك المبادرة الإقليمية بشكل كامل، والأمرين سببا تعقيدات إضافية، وأضعف من إمكانية التنسيق بين الدول التي أرادت محاصرة دمشق، وفي سجل الأزمة هناك الكثير من التصريحات المتناقضة.
وأدى التنافس لعدم ظهور مساحة معارضة رغم كل الجهود الدولية لخلق وفود قادرة على مواجهة الوفد الحكومي السوري، فهذا التصادم كوّن محرقة لكل الأدوار الإقليمية، وكان التفكير يبتعد عن النقاش الجدي حول التوازن الممكن بين كافة الأدوار ويتجه نحو الرهان على هزيمة الأطراف أو إسقاطها، فالحرب لم تتجه فقط نحو الحكومة السورية بل أيضا نحو كل جبهات المعارضة التي خاضت صراعات متعددة فيما بينها.
– الثاني هي المصالح التي انهارت في سورية نتيجة الحرب، فحتى الولايات المتحدة لم تقدم رؤية لنهاية الحرب، وهو ما جعل التدخلات العسكرية حتمية، سواء بطلب الحكومة السورية أو بشكل غير شرعي مثل التدخل الأمريكي.
كانت فرنسا أول الدول التي استضافت تحرك المعارضة عبر “المجلس الوطني”، وبعد الفشل الدولي في مجلس الأمن نتيجة استخدام موسكو لحق النقض ظهرت سلسلة مؤتمرات “أصدقاء سورية، وكانت باقتراح فرنسي وحشدت في البداية دعما كبيرا لكنها انتهت نتيجة انهيار المصالح الدولية بسبب شكل الحرب وليس فقط بسبب التدخل الروسي.
محاولات روسيا اليوم لتصفية الاشتباك بين دمشق وأنقرة أظهر أن الأطراف الإقليمية والدولية غير قادرة على تكوين دور، مهما كان نوعه، ضمن إدارة الصراع الذي تشرف عليه روسيا، فنحن أمام مرحلة لا ترى فيها معظم الأطراف الدولية والإقليمية ضرورة للتدخل لأنها لا تملك أي صورة للنظام الإقليمي في حال انتهاء الحرب، وتفضل معظم الدول العربية بناء قدرات ذاتية خاصة بعد أن غاب النظام الإقليمي الذي ظهر منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
أي فك اشتباك بين أنقرة ودمشق لن يصل إلى نتائج حاسمة مالم تدفع النخب الثقافية والسياسية بتصورات جديدة لعالم ما بعد الحرب، فالشرط الدبلوماسي لجميع الأطراف هو هامش ربما على الكل التعامل معه والتفكير من جديد بأمننا الإقليمي بعد حرب خلفت دمارا لم يشهده السوريون من قبل، على الأقل في تاريخهم المعاصر.