Site icon هاشتاغ

المعارضة السورية والانتخابات المحلية.. لا مشاركة حتى انطلاق الحل السياسي

هاشتاغ-كمال شاهين

تنطلق اليوم اﻷحد، 18 أيلول/سبتمبر، الانتخابات المحلية الثالثة في سوريا منذ بدء أزمتها قبل عشر سنوات، ويفترض أن يشارك فيها ملايين السوريين على مستوى المدن والمناطق والبلدات، وصولاً لانتخاب ممثليهم في مجالس اﻹدارة المحلية، وتجري هذه الانتخابات على أساس قانون اﻹدارة المحلية رقم /107/ للعام 2011، وهو عملياً من آواخر قوانين ما سمّي مرحلة اﻹصلاح في سوريا.

تأتي هذه الانتخابات وسط وضع اقتصادي واجتماعي سوري صعب بكل ما في الكلمة من معنى، وفي خضم وضع خدمي لم تشهد البلاد له مثيلاً في تاريخها المعاصر، من مشكلات المياه الملوثة وحالات الكوليرا وانقطاع طويل للكهرباء وصولاً إلى التضخم المالي الذي يجري بسرعة ملتهماً مدخرات السوريين، وعليه، وفي ظل نتائج هزيلة للمجالس السابقة (مع غياب المحاسبة)، فإنّ دوافع السوريين للمشاركة فيها موضع شك.

إلى جوار الوضع الداخلي القلق والصعب على الجميع، لا يبدو أنّ في اﻷفق حلاً قريباً للأزمة السورية، إذ باتت الجغرافيات السورية الحالية تعيش أحوالها وعلاقاتها منفردةً، وكلّ جغرافيا تعيش أنظمتها اﻹدارية والسياسية بشكل مستقل عن اﻷخرى، وسط تصاعد أزمات العالم ككل، من الحرب الروسية على أوكرانيا إلى أزمة الطاقة في أوروبا، إلى النزاعات اﻷخرى المتكاثرة هنا وهناك، مما يضع الملف السوري في آخر القائمة الدولية.

مواقف المعارضة في مناطق دمشق

ورغم أنّ اﻷسباب السابقة، من وضع اقتصادي صعب إلى غياب الحل السياسي، قد تكون مدخلاً مهماً وفاعلاً للمعارضة السورية (في مناطق دمشق) للدخول في سباق الانتخابات المحلية، وتسجيل حضور وإثبات وجود وفاعلية، إلا أنّ المعارضة فضّلت البقاء في الظل، ونأت بنفسها عن المشاركة في الانتخابات بتبريرات مختلفة، يصب غالبها في اتجاه التشكيك في شرعية إجراء الانتخابات في ظل الوضع السوري الراهن وغياب احتمال قريب للحل السياسي.

الانتخابات المحلية الحالية تجري في مرحلة يفضل البعثيون اﻹشارة إليها إلى أنها مرحلة “تثبت حضور الدولة” بعد توقف المعارك العسكرية ﻷكثر من أربع سنوات، وهي انتخابات تجري وفق القانون، وفي موعدها الرسمي، إلا أنّ التنافس الحقيقي بين المرشحين يغيب عنها، كما أنّ عدد مقاعد المستقلين في حدّه اﻷدنى، فعلى سبيل المثال، ففي مقاعد مجلس محافظة اللاذقية، هناك (ثلاث مقاعد) للمستقلين الفئة ألف، و(سبعة) في الفئة باء، ويمثل “الرفاق” البعثيون أكثر من ثلثي القائمة، في حين نالت أحزاب الجبهة (خمسة) مقاعد من أصل مئة مقعد، لتكون نسبة البعثيين على قائمة الوحدة الوطنية بالضبط (85%).

على جانب المعارضة في مناطق دمشق، لم يلاحظ أي تغيير سياسي حقيقي من قبل الحكومة / الدولة تجاهها، إذ أنّ هناك إغلاق طرقات واضح باتجاه أي دعوة لها للمشاركة في الانتخابات المحلية، أو حتى باقتراح وجود كوتا ولو صغيرة لها، كتعبير عن الانفتاح السياسي، أو كرسالة للمجتمع الدولي أنّ هناك من يفكر بتغيير طريقة التعامل مع المكوّنات السورية الحزبية أو الفردية المعارضة.

بنفس السياق، لم يلحظ ترشح شخصيات معارضة مستقلة في عموم البلاد، بما فيها العاصمة دمشق، رغم أنه من المفترض الاستفادة من هذه الفرصة، ولكن المشكلة كما ترى أحزاب المعارضة هي في عدم الفائدة من هذه الانتخابات في ظل الاستعصاء السوري المستمر منذ سنوات داخلياً.

على سبيل المثال، فإنّ محمود مرعي، رئيس لجنة الحركة الديمقراطية الوطنية، والمرشح الرئاسي السابق، لم يعلن ترشحه ﻷي من هذه المجالس، وكان سبق له الترشح لمجلس الشعب قبل بدء اﻷزمة الراهنة ولكنه لم ينجح. ومن اﻷسماء اﻷخرى التي لم تعلن موقفها المباشر من الانتخابات السيد إليان مسعد، وهو الرئيس المنتخب لوفد معارضة الداخل الى مفاوضات جنيف ومنسق الجبهة الديموقراطية العلمانية (جدع)، وهناك أسماء أخرى.

موقف تيار “طريق التغيير السلمي”:

مؤسس تيار “طريق التغيير السلمي”، القيادي السابق في حزب العمل الشيوعي، فاتح جاموس، “عميد معارضة الداخل”، قال في تصريح لـ”هاشتاغ”: “إنّ تياره لم يصدر أي موقف من الانتخابات المحلية، مع ميل التيار عموماً لتنسيق أي عمل لمجموعات معارضة جادة، واختيار مرشّحين على برنامج معارضة وطنية داخلية مستقلة بالتغاضي عن النتائج”، لكن ذلك لم يحدث.

التيار انطلق في شباط عام 2012، عبر جاموس وعدد من الشخصيات الوطنية في العاصمة دمشق، وهو تيار منتشر بنسب متفاوتة في المحافظات السورية بما في ذلك مناطق سيطرة اﻹدارة الذاتية، على أنه لا توجد أرقام صادرة عن التيار عن عدد المنتسبين إليه أو العاملين فيه كتيار سياسي.

لا يختلف موقف التيار الحالي عن موقفه من انتخابات مجلس الشعب العام 2020، إذ كان قد دعا وقتها إلى مشاركة “قوى المعارضة الوطنية الداخلية الجادة” في انتخابات مجلس الشعب”، وفي وثيقة بعنوان “بيان ونداء” ذكر التيار، إنه “من الصحيح والضروري أن تشترك في الانتخابات مجموعة الفعاليات والقوى والشخصيات المحسوبة، أو التي ترى بنفسها أنها من صف قوى المعارضة الوطنية الداخلية الجادة” ودعا البيان لأن تبلور تلك الفعاليات نفسها على هيئة صف واحد ويكون لها برنامج واحد ومسمّى واحد هو “المعارضة الوطنية الداخلية”.

واقترح البيان وقتها أن يجري “حوار ديمقراطي تشاركي” على تحديد البرنامج وصياغته، واقترح عددا من النقاط، منها، أن تأخذ نخب المعارضة الوطنية الداخلية على عاتقها “إطلاق مقاومة شعبية ضد الاحتلالات الخارجية الأمريكي والتركي والصهيوني، وتشكيل جبهة واسعة من أجل ذلك، داعمة للجيش العربي السوري، وتحافظ على الوطن السوري والدولة السورية”، ومقاومة الأصولية الفاشية وحلفائها، ومتابعة هزيمتها، وأخيراً “التغيير الديموقراطي الجذري والشامل، بعملية سلمية تدريجية آمنة، وحوار وطني بين أطراف الانقسام الوطني الداخلي، سلطة وموالاة”.

ووقتها أيضاً، دعا البيان “رفاق التيار” للتقدم بطلبات الترشيح قبل انتهاء المدة المحددة، وتشجيع الآخرين على ذلك، في حين أنه لم يفعل ذلك في الانتخابات الحالية اﻷقرب إلى الناس، كما يقول القيادي جاموس لنا، ﻷنه “كما فعل كموقف سياسي، وكموقف عملي مع انتخابات مجلس الشعب، وكما حاول مع انتخابات الرئاسة، فقد اتضح أنّ موقف نخب المعارضة المعنية يتحدد بالرهاب والخوف وحسابات مختلفة والتراجع عن المواقف النظرية، وهكذا الأمر الآن مع الانتخابات الأخيرة” ولهذا السبب فتر حماسنا (للانتخابات) مع أنها الأكثر قرباً لإمكانية وجود هامش خارج ضغط السلطة وأجهزتها”.

تمثل مقترحات التيار السلمي السابقة القراءة التي تقدمها عموماً أحزاب المعارضة السورية ضمن مناطق دمشق للوضع العام في هذه المناطق، وفي إصرارها على وحدة هذه المعارضة في هيئة واحدة، لعلها تحقق اختراقاً محتملاً لحالة الجمود السياسي لهذه المناطق، التي تساهم السلطة في استمرارها وفي إعادة إنتاجها في سياق تحكمها بمفاصل الحياة السياسية بأشكالها المتعددة، ومنها بالضرورة مجالس اﻹدارة المحلية.

موقف حزب اﻹرادة الشعبية:

حزب اﻹرادة الشعبية، وهو مع تيار التغيير السلمي في “الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير” التي يقودها من موسكو، قدري جميل، المعارض المعروف، لم يكن هو اﻵخر أكثر اقتراباً من الانتخابات المحلية الحالية، وفي تصريح لنا قال القيادي في اﻹرادة الشعبية”ضياء اسكندر” (اللاذقية) إنّ “الحزب لم يصدر بياناً بخصوص انتخابات الإدارة المحلية”، وموقفه من الانتخابات عموماً (النيابية، المحلية، الرئاسية..) هو المقاطعة، لا ترشيحاً ولا تصويتاً في أيّ عملية اقتراع. لقناعتنا بأنه لا يوجد انتخابات جدّية في سورية منذ العام 1954″، وبالتالي، “لا وجود مرشحين للحزب لا في اللاذقية ولا في غيرها من المحافظات”.

تغطية الانتخابات المحلية غابت بشكل كامل عن الجريدة المحلية للحزب “قاسيون” على موقعها اﻷلكتروني أو على صفحات التواصل الاجتماعي، كما أنّه لم يقم أي شخص من الحزب بتقديم نفسه كمرشح مستقل وفي مختلف المحافظات.

الجبهة الشعبية للتغيير والتحرير، التي التقى ممثلها قدري جميل، في 14 أيلول، الممثل الخاص لرئيس الاتحاد الروسي للشرق الأوسط وإفريقيا نائب وزير خارجية روسيا “ميخائيل بوغدانوف” ضمن وفد من المعارضة السورية، وبضمنهم رئيس حزب اﻹرادة الشعبية “علاء عرفات”، لم تصدر كـ جبهة أي بيان بشأن الانتخابات المحلية، ويلاحظ هنا أنّ فعالية “جبهة التغيير” باتت مرتبطة بشكل كبير بما يسمّى منصة موسكو المعارضة، وهي أكثر انخراطاً بالشأن السياسي المرتبط باﻷزمة السورية أكثر من ارتباطها بشؤون الداخل السوري.

هيئة التنسيق الوطنية:

هيئة التنسيق الوطنية، التي حضرت اجتماع موسكو ممثلةً بالسيد عادل اسماعيل، وهو من المنتسبين إلى حزب البعث الديمقراطي الاشتراكي، لم تعلن هي اﻷخرى موقفها من الانتخابات المحلية، وكان لافتاً أن الهيئة أصدرت بياناً في العاشر من آب الماضي أشارت فيه إلى أنّ السلطات (اﻷمنية) السورية اتخذت قراراً بمنع عقد الاجتماعات لكلٍ من هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية والجبهة الوطنية الديمقراطية ” جود” ما لم يتم الحصول على موافقة مسبقة من الأجهزة الأمنية المختصة، وقد أبلغت إحدى الجهات الأمنية هيئة التنسيق الوطنية شفوياً بهذا القرار مساء يوم الأربعاء 3/8/2022.

عبر تاريخها القصير نسبياً منذ العام 2011، كان الاشتغال السياسي المعارض بالشأن السوري المرتبط بسياق اﻷزمة، دون الداخل، هو عنوان الهيئة اﻷبرز، وبقدر ما يمكن تفهم هذا القصور بناء على رفض دمشق ظهور حالة معارضة حقيقية في مناطقها، بقدر ما يمكن اﻹشارة إلى أنّ الغياب عن الشأن الداخلي في عمل الهيئة، وفي كثير من الأمور “الصغيرة” التي تهم السوريين، جعلا من الهيئة ومن أحزاب معارضة أخرى، غير معروفة للسوريين ولو على وسائل التواصل الاجتماعي، أضعف اﻹيمان السوري!

معارضات أخرى

هناك بعض اﻷحزاب الأخرى التي تعمل في مناطق سورية لا تخضع لسلطة دمشق، ولكنها ترفض العنف وتعلي من شأن الحوار وتشدد على التغيير الديمقراطي حسب أدبياتها، ومنها حزب سوريا المستقبل، الذي تأسس في 27 آذار/مارس 2018، وانتخب مؤخراً الحقوقي الرقاوي “عبد حامد المهباش” خلفاً لإبراهيم القفطان، رئيساً للحزب في جلسة علنية أيار الماضي في محافظة الرقة الخاضعة لسلطة اﻹدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا.

وهو اﻵخر لم يصدر أي بيان بشأن الانتخابات المحلية متسقاً بذلك مع موقف اﻹدارة الذاتية الرافض ﻹجراء الانتخابات المحلية ضمن مناطق سيطرتها، وبالتزامن، فقد عقد عشرات السياسيين والمثقفين وممثلي قوى ديمقراطية، لقاءاً تشاورياً للأحزاب والقِوى السياسية في سوريا في مدينة القامشلي اليوم، 16 أيلول، وكان الطرح الذي ركز عليه اللقاء “اللامركزية في إدارة سوريا” وهو ما يتفق مع قانون اﻹدارة المحلية رقم 107 للعام 2011.

قراءة أخيرة:

في استقراء أوّلي لمواقف المعارضة السورية في مناطق دمشق، يلاحظ عزوفها جميعها عن العمل المرتبط بالشأن الداخلي بمعناه المحلي في اﻹدارة والمجالس المحلية ومواضيع مرتبطة بالتنمية المحلية، وتركيزها على العمل السياسي المرتبط إلى حد كبير بمفاصل اﻷزمة السورية الخارجية، وحتى إذا اعتبرنا العمل ضمن / على اللجنة الدستورية جزءاً من الاشتغال الداخلي، فإن الوصول إلى نتائج في هذه اللجنة مرهون كما بات يعرف كل السوريين بالتطورات التي يجب أن تحصل في الملفات اﻹقليمية المرتبطة، من تركيا إلى موسكو إلى واشنطن، وأنّ الدور السوري فيها، بقدر أهميته بقدر ما هو دور بدرجة أقل من تأثير تلك الملفات.

في قراءة غياب المعارضة الداخلية كما تسمى عن الانتخابات المحلية، يفسّر أنس جودة، رئيس حركة البناء الوطني في تصريح خاص لـ”هاشتاغ” أنّ السبب الرئيس لهذا الغياب هو “عدم وجود معارضة منظمة أصلاً قادرة على الفعل على المستوى الوطني وحتى على المستويات المحلية المختلفة، وذلك لأسباب مختلفة منها السنوات الطويلة لاختفاء العمل السياسي وشيطنته الدائمة وضيق مساحات العمل التي أتت الحرب على ما تبقى من هوامشها البسيطة”.

يضيف جودة الذي عملت حركته على تنشيط إقبال الناس على الانتخابات من خلال حملة “دورك” إلى أنّ “هناك، من جانب آخر، عدم قناعة من تبقى من قوى بجدوى المشاركة في انتخابات تبدو نتائجها محسومة سلفاً، وهذه نقطة جديرة بالانتباه فحتى لوكان الواقع مغلقاً والظروف السياسية غير مواتية فهذا لا يجب أن يمنع التشكيلات السياسية من التقاط لحظة الانتخابات لتسجيل حضورها وإظهار برنامجها وأفكارها على الأقل فليس هناك مكاسب مجانية في السياسة، والوجود السياسي لا يتحقق بلحظة واحدة، بل هو عمل مستمر ودائم لا يجوز أن يتوقف بانتظار تحقق اتفاق سياسي شامل”.

ويصر جودة على أنّ “هذه الدائرة القاتلة من الإغلاق والشعور بعدم الجدوى، تفرغ أي فعل في الشأن من مضمونه وتحوله لطقس مسرحي غير جاذب، وتستمر بإبعاد الناس عن الاهتمام بالفعل في الشأن العام المؤدي لتحقيق المشاركة المجتمعية، الأمر الذي يعد الركيزة الأساسية لأي مجتمع يبحث عن نهوضه من ركام التفتت المجتمعي، والروح الضرورية لتحقيق التنمية”.

أخيراً، يمكن للعمل المحلي، الذي يوفره قانون اﻹدارة المحلية رقم 107 لعام 2011، أن يوفر فرصة ممكنة لتغيير صورة نمطية على ما يبدو لهذه المعارضات، وبالضرورة للسلطة الحاكمة، ومن الصحيح أنّ السلطة القائمة لن تتهاون مع أي تغيير محتمل في سياق تحكمها في المجتمع حتى اﻵن، إلا أنّ ممارسة العمل المحلي وتقديم تجارب ناجحة ليس باﻷمر المستحيل، وهناك على ما نتصور ضرورة ملحة لكي تتغير طريقة تعامل الجميع مع هذه الاستحقاقات.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
Exit mobile version