الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

المعارك المجانية

هاشتاغ-مازن بلال 

تفاصيل الاعتداء “الإسرائيلي” الأخير على سوريا يوضح نوعية الصراع الذي انتقل بعد ما يسمى “الربيع العربي” إلى موقع مختلف، في وقت أصبح الأمن الإقليمي مبهما على الأخص مع عدم القدرة على تحديد التهديد الحقيقي في شرقي المتوسط، فالشكل التقليدي للعداء مع “إسرائيل” تحول إلى معادلة فيها العديد من الأطراف وذلك وفق أشكال التهديد، وموقعها من دول المنطقة، وهذا التوزع المفترض للتهديد عزل كل معارك فلسطين عن باقي التوترات، وجعل من الحراك الفلسطيني حالة تبدو منفصلة عن سويات الصراع المتعددة في المنطقة.

عمليا انتشر قبل الاعتداء “الإسرائيلي” ضمن العديد من وسائل الإعلام مصطلح يتحدث عن “توحيد الجبهات”، وذلك بعد إطلاق رشقة صواريخ من الجنوب اللبناني باتجاه الشمال الفلسطيني، وتبع ذلك إطلاق لثلاث صواريخ من الأراضي السورية باتجاه الجولان السوري المحتل، والعمليات العسكرية الأخيرة بجملتها تعيد للذاكرة نهايات سبعينيات القرن الماضي، فتلك الحقبة كانت تحمل معها صواريخ فلسطينية باتجاه الأراضي المحتلة يتبعها غارات عنيفة على لبنان، وبقيت تلك المعارك تمثل شكلا عبثيا غير منظم بمقابل اتجاه سياسي “إسرائيلي” في تطبيع العلاقات مع مصر.

الصراع اليوم يوضح أن هناك هامش معارك غير مفهوم، رغم أنه يريد التعبير عن تواصل مع الصراع في الداخل الفلسطيني، ولكن السؤال حول “شكل” هذا الصراع الذي لا يربطه تكوين استراتيجي، وعندما تم إطلاق “توحيد الجبهات” فهو في الواقع سيناريو إعلامي لا يحمل معه زخم الارتباط الذي ظهر على سبيل المثال في ستينيات القرن الماضي عن “الجبهة الشرقية”؛ عندما تم التنظير لربط الجبهتين الأردنية والسورية قبل انتقال الفصائل الفلسطينية إلى الأردن.

يمكن قراءة الاختلاط في تكوين الصراع مع “إسرائيل” وحتى في الأمن الإقليمي عموما الذي يتداخل فيه، إضافة لإسرائيل”، العاملين التركي والإيراني في عدم وجود محور أساسي ليس بالضروري عسكريا، فالتفكير بـ”إسرائيل” ابتعد بشكل واضح عن الأمن الإقليمي ضمن سياقين:

الأول الدخول “الإسرائيلي” إلى مساحة العلاقة العربية، فبغض النظر عن الموقف من هذه العلاقات فإنها فرضت إعادة التفكير بمسألة الأمن الإقليمي من زوايا جديدة، ترتبط بالتحولات التي شهدها العالم في طبيعة الصراعات القائمة، وأدت لظهور جملة مشاريع من “الشرق الأوسط الجديد” وصولا إلى صفقة القرن، وأنتجت تفكيرا سياسيا لا يقتصر على الموضوع الفلسطيني بل أيضا على الصورة في الشرق الأوسط عموما.

الثاني تعدد الأقطاب الإقليمية في مقابل غياب المشروع العربي، فبالتأكيد هناك أدوارا قديمة لتركيا وإيران في المنطقة، لكنها كانت قائمة على توازن خاص مع جملة من المصالح العربية ولو في الحد الأدنى من التضامن.

اعتدت “إسرائيل” على سوريا ورغم أنها ليست الأولى لكنها الأكثر تعبيرا عن “متاهة” الصراعات في المنطقة، فمقابل إنهاء أولوية الصراع مع “إسرائيل” من قبل النظام العربي عموما لم يظهر أي تصور مختلف عن نوعية الأمن الإقليمي وتوزع القوى فيه، فهناك خطاب تنموي عام يصدر من دول الخليج في مقابل صمت من قبل النظام العربي تجاه هذا الأمر، ومع أهمية التنمية فإنها لا تستند إلى حالة إقليمية عامة، إنما مشاريع ريادية لدول محددة، ورغم بساطة “المعارك” مع العدو “الإسرائيلي” لكنها تنقل تلك المفارقة التي حدثت في النظام الإقليمي منذ عقدين ونصف من الزمن.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة