هاشتاغ-مازن بلال
تقف الحرب في غزة عند نقظه عمياء بالنسبة للجميع، فالمراوحة في التدمير أو إطلاق الصواريخ تكشف عجزا متبادلا عن تحقيق أي مكاسب ضد الطرف الآخر، فالجانب الفلسطيني الذي لا يملك شيئا إضافيا يخسره يسجل نقاط العجز الإسرائيلي عن كسر إرادته، والمعركة باتت في مساحة ضيقة جغرافيا لكنها رهان إقليمي على تبديل التوازنات على المستوى الإقليمي.
مراحل ما حدث في غزة لخصت عمليا نوعية المواجهات التي تقف وراء تغطية إعلامية واسعة، فالحرب العسكرية تبقى لصالح “إسرائيل” التي تملك آلة دمار واسعة، وفي نفس الوقت فإن القوة النارية المستخدمة لم تكن قادرة على تحريك أي مكسب سياسي، وهذا الأمر هو قرار “إسرائيلي – أمريكي” مزدوج لا يضع حدودا للحرب، ولا يرى السياسة جزءا من الصراع الدائر، وكلما سجلت أعداد الضحايا المدنيين أرقاما عالية أصبح الوصول لنصر سياسي أصعب، فإدارة الحرب التي تبدو غاية في ذاتها تزيد من صعوبة التحرك السياسي.
أقرأ المزيد: غزة وعناوين غائبة
بالتأكيد فإن الجانب العربي غير قادر هو الآخر على اختراق ما يحدث، فهو أساسا لا يملك تصورا استراتيجيا لتوازن إقليمي غير التمسك بكتل جغرافية ثابتة رسمتها نهاية الحرب العالمية الأولى، وتبدو “إسرائيل” نقطة تنافس إقليمي سواء في الصراع أو الدخول في عملية سلام معها، وبغض النظر عن المواقف العربية فإن الحرب القائمة التي تستهلك المدنيين وتستخدم قوة نارية غير مسبوقة على بقعة جغرافية صغيرة تطرح صورة جديدة للصراع تتلخص بانعدام الرؤية السياسية لجميع الأطراف.
إذا كان هناك انتصار في عملية طوفان الأقصى فهو في معادلة “ميزان القوة” الذي سقط في ساحة السياسة، فعلى الجانب “الإسرائيلي” بدأ هذا الأمر في حرب 2006 عندما لم تستطع القدرة النارية على تحقيق مكاسب سياسية واضحة، والأمر المختلف اليوم هو أن قرار عزل السياسة عن مجريات الحرب تم أخذه سلفا ويشبه إلى حد كبير البدايات الأولى للحروب الكبرى في التاريخ.
أقرأ المزيد: تحولات حرب غزة
يبقى الرهان السياسي الوحيد بالنسبة لواشنطن وتل أبيب هو “الإرهاق” الذي يمكن أن يؤدي لـ”صفقة” تبادل بين حماس و”إسرائيل”، لكن الوضع الإقليمي لا يقف عند هذا الحد الضيق من غايات حرب استخدمت فيها القوة بشكل مفرط، وانكشاف التوازنات التي ظهرت خلال الحرب لا يمكن حلها بـ”صفقة” ترعاها دولة إقليمية، وعندما نتحدث عن بناء “الردع الإسرائيلي” اليوم فإننا سنفاجأ بكم الأسئلة التي فتحتها حرب غزة أمام السياسات “الإسرائيلية”.
لم يعد بعد حرب غزة مساحات قادرة على استيعاب التناقضات الصارخة في الصراع مع “إسرائيل”، فما تم “صبه” فوق رؤوس المدنيين يجعل من أي حل سياسي مجرد كابوس جديد لا يمكن أن يرضي الطرف الفلسطيني، فهناك سقوط على مستوى ممكنات السلام التي تم طرحها منذ زيارة الرئيس المصري أنور السادات نهاية السبعينات إلى “إسرائيل”، فمعركة غزة الحالية هي دون نتائج لأنها لا تحمل حتى اللحظة خروجا “إسرائيليا” من مذهب الردع القديم، ولا خروجا عربيا من رؤية المنطقة وفق توازنات نهاية الحرب العالمية الأولى.