هاشتاغ-مازن بلال
وفق ممثل الرئيس الروسي لشؤون التسوية في سورية، ألكسندر لافرنتييف، فإن تطبيع العلاقات بين تركيا وسورية “لم يتباطأ”، وخارطة الطريق بهذا الشأن تسير وفق ما هو مرسوم لها رغم الصعوبات، وهذه التصريحات الروسية تبدو كإضاءة على ملف توارى خلف ظلال الأحداث في روسيا على وجه الخصوص، وذلك بعد “أزمة فاغنر” وصولا إلى نقل قادة كتيبة “آزوف” من تركيا إلى أوكرانيا.
عمليا فإن ملف “تمرد فاغنر” طوي سريعا، لكن قضية “آزوف” أوجدت تشويشا على مسار العلاقات بين موسكو وأنقرة، ورغم التصريحات الروسية لتبريد هذه المسألة لكنها بالتأكيد ستشكل عقدة ضمن الملفات التي يعمل عليها البلدان، وعلى الأخص الأزمة السورية التي تأخذ منحىً إقليمياً بعد أن كانت ضمن مسار دولي عام، فـ”البرود” في التحرك الدبلوماسي بشأنها يقابله توتر على الصعيد الإقليمي يظهر في الأجواء السورية بالدرجة الأولى، وفي الاتهامات المتبادلة بين موسكو وواشنطن حول انتهاك ما يسمى “برتوكولات فض الاشتباك” فوق سورية.
ما حدث منذ بدء “الانفراجات” الإقليمية بالنسبة لسورية هو محاولة تثبيت الجبهات العسكرية، ويبدو أنه تكتيك أمريكي في ظل رغبة من واشنطن بخلق تأثيرات غير مباشرة على مسار الوضع السوري، بدأت مع نشرها مقاتلات F22 رابتور، وهي الأحدث من الجيل الخامس، في الشرق الأوسط، وبررت هذا الأمر بزيادة نشاط القوات الجوية الروسية في سورية، وبالتأكيد فإن ما يجري من توتر دولي ينعكس على المساحة السورية عبر أمرين:
الأول تحديد مساحة النشاط الدبلوماسي المسموح بالنسبة لواشنطن، فالانفتاح العربي لا يشكل “تمردا” ضد واشنطن كما يحاول البعض تصويره، بل هو عملية سياسية “تنافسية” بين القوى الإقليمية عموما.
الانفتاح العربي يشكل رؤية إقليمية بالدرجة الأولى ظهرت بحدودها الواضحة بعد عدم قدرة المجموعة العربية على التأثير في مؤتمر بروكسل، فالمسار الأوروبي – الأمريكي بخصوص الأزمة السورية مستقل عن التحركات الإقليمية، وهو في نفس الوقت يريد وضع ضوابط لمسألة الأدوار العربية في الموضوع السوري، والواضح أن هناك تجاهلا متعمدا للمبادرة التي بدأت في عمان بشأن الأزمة السورية، فبالنسبة للاتحاد الأوروبي فإن الموضوع السوري لا يرتبط بحل التداعيات الناتجة عن الحرب، فهو مرتبط بالصراع الدولي على اعتبار أن الأزمة السورية تشكل نموذجا لتضارب المصالح الدولية.
الأمر الثاني هو “الخيار صفر” ضمن النظام الدولي، فما يجري هو تحييد نهائي لروسيا عبر الحرب الأوكرانية، وبالتأكيد فإن هذه الاستراتيجية لا تضع الموضوع السوري في الظل، إنما تجعله ضمن مساحات الاستنزاف الأخرى لروسيا.
من المراجعة الأولية لكل التصريحات حول “بروتوكولات فض الاشتباك” في الأجواء السورية، هناك مواجهة بين “المسيرات” الأمريكية بالدرجة الأولى والطائرات الروسية، فالمسألة تدخل ضمن عدة اعتبارات عسكرية لا تصل إلى مسألة المواجهة، فهناك اختبارات أمريكية على المستوى العسكري، وانعكاس سياسي لهذا الأمر يعقد من إمكانية التحركات الإقليمية سواء كانت عربية أو تركية.
البرود السياسي لا يعكس واقع الصراعات الجزئية في الأجواء السورية، فهو تصعيد لطرح النوايا السياسية، وفي نفس الوقت يشكل إقصاء للأدوار الإقليمية بانتظار “معركة النظام الدولي”.