الأربعاء, فبراير 5, 2025
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناسالمنظمة الدولية وأحصنة طروادة الخدّاعة

المنظمة الدولية وأحصنة طروادة الخدّاعة

هاشتاغ-أيمن علوش

قد يبدو العنوان الذي اختارته الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة لقرارها بإنشاء “مؤسّسة مستقلّة” من أجل “جلاء مصير آلاف المفقودين في سورية” عنواناً إنسانياً وجذاباً، ولكنّ دعونا نتساءل: هل هناك في تاريخ المنظمّة الدوليّه ما يمنحها المصداقيّة والثقة؟ للأسف فإنّ سجّلها مثقل بازدواجيّة المعايير لصالح الدول المؤثرة في الأمم المتّحدة والمموّلة لها.

ومن يطّلع عل قائمة الدول الـ 83 التي صوّتت لصالح القرار، والدول الـ 62 التي امتنعت عن التصويت، والدول الـ 11 التي عارضته سيكتشف أن تعاطي العالم مع الشؤون الدولية بات من باب التحالفات والمصالح من جهة، والنأي بالنفس من جهة ثانية، وهذا العدد الكبير للدول التي امتنعت عن التصويت يعكس حالة الترهيب والابتزاز التي تخضع له هذه الدول فتختار الصمت مهرباً لها.

لا شكّ بأنّ جلاء مصير المفقودين السوريّين أمر مهم ومريح؛ ليس فقط لعائلاتهم، وإنما بتقديري لكلّ مواطن سوري، وذلك من زاوية طي صفحة الماضي والانطلاق نحو سورية لكامل أهلها بمختلف ألوانهم ومشاربهم وثقافاتهم، ولكن ليس صحيّاً ومجدياً أن يُناط بمنظّمة غير موثوقه هذه المهمّة الحسّاسة، خاصةً وانّ تجربة الدولة السورية معها ومع ما يتفرّع عنها من هيئات ولجان ووكالات لم يكن يوماً لمصلحة كشف الحقائق.

والأمر ينطبق على كثير من القضايا التي تعاملت معها المنظّمة الدوليّة وتدخل في جوهر مهامها مثل الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الكيان الصهيوني العنصرية والعقوبات على الشعوب وأثرها الإنساني على كلّ مواطن في هذه الدول، والحرب في اليمن وبيع السلاح إلى مناطق النزاعات ولدول لا تحترم حقوق الإنسان وتدمير دول وغيرها، وتعاملها وتعاطيها مع الزلزال المدمر الذي ضرب سورية يثبت غياب الجانب الانساني لهذه المنظمة لصالح أجندات ومصالح الولايات المتّحدة الأمريكيّة ودول الغرب وربيبتهم دولة الاحتلال والفصل العنصري.

عامل جديد بات أيضاً مؤثرا في قرارات الجمعيّة العامة للأمم المتحدة ووكالاتها وهيئاتها وهو محاصرة روسيا، فالدول التي ترتبط بعلاقات معها باتت في دائرة الاستهداف بشكل كبير بعد الحرب الروسيّة على أوكرانيا، فنرى أن القضايا تثار فقط ضد من يعارض سياسات معسكر أمريكا وحلفائه في حين يتمّ غض النظر عن دول معسكر الحلفاء أو معسكر الصمت.

الحرب على سورية تجاوزت كلّ حدود المنطق، وأعتقد أنّه من الصعب جداً الوصول إلى حقائق مؤكّدة حول ما حدث ومصير كثير ممن قضى فيها، وأعتقد أيضاً أن منح صلاحيات للاستقصاء حول ما حصل لجهات لا تتمتع بمصداقية سينتهي إلى نتائج غير منطقية، ويمكن التأكيد أن الهدف من دعم دول محور أمريكا لهذا القرار هو زيادة الضغط على سورية، وليس جلاء الحقيقة.

من دمّر العراق بوثائق مزورة عن امتلاكها سلاح نوويّ ودعمها الإرهاب يحتاج إلى الكثير من الجهد ليثبت مصداقيته، ومن يمارس سياسة العقوبات التي تعاني منه الشعوب وليس الأنظمة لا بمكن أن يكون إنسانياً في ممارساته، ومن يغضّ النظر عن سياسات الكيان الصهيوني العنصريّة بعيد كلّ البعد عن أبسط مبادئ حقوق الإنسان، وفي مجمل هذه القضايا وغيرها من القضايا الإنسانيّة الأخرى وجدنا المنظمة الدولية تتعامل بشكل استنسابي وحسب إملاءات محور أمريكا ولمصالحها حصراً.

من يهتمّ بالوضع الإنساني السوري يجب أن يكون إيجابيا في التعاطي مع مسألة عودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم وليس بتعطيل عودتهم كما يصرح مسؤولون في هيئات الأمم المتحدة، أو في رفع العقوبات التي جوعت الشعب السوري، وأن يقف ضد الاحتلال الأمريكي والتركي لمناطق في سورية ويتوقف عن دعم الجماعات الإرهابيّة على أراضيها.

لسورية مصلحة في جلاء مصير مفقوديها، لكنّ الآليّة والأدوات المتّبعة لا تشجع على التعاون مع جهة واضحة العداء و الغايات وناقصة المصداقية والشفافيّة، ومن الغباء أن نصدّق عناوينهم البرّاقة والتي اثبتت أنها كانت دوماً أحصنة طروادة للتدخّل في شؤوننا وتعميق خلافاتنا وإطالة وتعميق ألمنا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة