الأحد, ديسمبر 22, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةالواجهة الرئيسيةالموت الذي لا يفرق البشر

الموت الذي لا يفرق البشر

نضال الخضري

تطرق الأحداث أدمغتنا وترسم لوحة على مسافة من أعيننا التائهة، فبعد أشهر طويلة من الحرب والقلق لم نعتد الموت لكنه أصبح جزءاً من العلاقة بالآخر، فهذا “الآخر” الموجود على مفترق العنف والكراهية لا يمكننا رؤيته خارج الموت، ولم نعد نستطيع رسم صوراً لما يحيط بنا خارج معادلة بسيطة؛ فنحن على هامش الحياة ننتظر صوتاً عنيفاً يحمل لنا أرقاماً جديدة لمن حصدهم الموت، ومعادلة الحرب لم تعد سياسية لأنها باتت ثقافة لا يدرك الكثيرون أنها تُسيرهم.

هو زمن ليس بالجديد، فنحن كنا نصحو في المدن السورية طوال عقد كامل على مساحات الحدث الدامي، ونعرف في النهاية أن صمت الآخرين لم يكن فقط لعبة سياسية بل نظرة خاصة لفائض بشري، لكن هذا “الفائض” بات اليوم أكثر مما يمكن وضعه في حسابات إقليمية، لأنه يغرقنا بحالة استنفار لعالم يرى الحرب والموت كجزء من الأرض المرهقة، ومن التعابير التي ارتسمت على وجوهنا وباتت امتداد للتضاريس التي تخلقها المعارك من حولنا.

للاطلاع على المزيد: الوجه السياسي الآخر

في عالمنا لم تعد المسافات مهمة فالموت ربما يلاحق البعض في شوارع بعيدة جداً، أو في لحظات المتعة عند استعمال الهواتف الذكية، أو حتى يلاحقنا عند التقاء عيني من نحب، فننتهي في ذروة الشبق للحياة، أو الرفض لـ”العدمية” التي يريد البعض إلصاقها بنا، فنحن خارج مساحات السياسية لأننا “ضحايا هامشيون” علينا الموت لضرورة استكمال الرفاهية في مناطق قريبة منا، أو حتى ملاصقة لتفاصيل حياتنا، فالموت أصبح رغبة تجمعنا لكي نرى الحياة من مساحة مختلفة.

هناك مشاعر باتت تعني شكلاً من “الازدراء” في مساحاتنا الخاصة، ففي الحرب لا نستطيع الحزن أو الخوف، أو حتى ملاحقة أحوال الطقس لأننا نعرف مسبقاً أن “عصبية الموت” تجمعنا في لحظة تذكرنا أحياناً بكلمة قالها ياسر عرفات قبل عقود: “يا وحدنا”.. وربما نفترق عنه في نية إطلاق هذه الصرخة التي أرادها فعلاً سياسياً لحالة السلام التي يريدها.. لكننا نطلقها من الرعب الذي يلفنا عندما يقتحمنا يقين بأن لا أحد مستعد لكي يقول لنا أنتم لستم “فائضاً بشرياً”.

نترقب مساحات الأمان المنتهية، ونراقب السماء وهي تحمل لنا الخوف الذي أنهى شغفنا بضوء القمر، وحمل عوضاً عنه الوميض الذي ننتظره يعبر فوقنا أو يهبط علينا، أو حتى يخلق حدثاً نراقبه في الفضائيات وندعي أننا لا نبالي، بينما يلفنا رعب لأننا فقدنا أكثر من الأمان، وأصبحت أجسادنا تشبه “الطرائد” المتناثرة على مساحة واسعة من عالم يضيق أكثر كل يوم.

حرب غزة ليست كغيرها من الحروب.. هي ثقافة لأجيال جديدة أصبحت تملك يقيناً أنها تقف على حدود العالم، وتعيش بهمومها الصغيرة التي تركز على لقمة العيش، ويطاردها الآخرون حتى في أي أمل تحمله كي تشعر بذاتها، فـ”عصبية الموت” هي ما تبقى قبل أن يغتالنا أي أحد أو حتى يذكرنا بأننا “فائض” داخل عالم لا يكترث بنا.

يمكنكم متابعة قناتنا على اليوتيوب

مقالات ذات صلة