هاشتاغ_ إيفين دوبا
لم يتمكّن يحيى (45 عاماً)، وهو موظف حكومي في دمشق، من تأمين ثمن مؤونة الشتاء القادم رغم تقديمه طلباً للحصول على قرض من أحد البنوك الحكومية.
يمضي يحيى ثمانية ساعات يومياً في وظيفته منذ أكثر من عشر سنوات. وبعد انتهاء الدوام الحكومي يعمل في محل لبيع الفروج لتصل مجمل ساعات عمله إلى 18 ساعة في اليوم الواحد.
يقول يحيى لهاشتاغ “لم أعد شاباً، ولم يعد بإمكاني تجاهل وضعي الصحي والعمل كل تلك الساعات، ولا يمكنني التخلي عن العمل الثاني؛ فهو موردي لتأمين الطعام والشراب بعد أن بات راتب الوظيفة رمزياً لا يكفي ثمناً لأجرة الغرفة التي أسكنها مع زوجتي وولدي الصغير.
يستدرك: “لكن راتب الوظيفة الحكومية يبقى مورداً ثابتاً يضمن وجودي في المنزل كون صاحب المنزل لا يقبل تأجيره إلا لموظف حكومي”.
وعلى غرار يحيى، يعتمد عشرات الآلاف من موظفي القطاع العام في سوريا على وظائف أخرى يعملون بها بعد انتهاء دوامهم الرسمي، لا سيما بعد أن أصبح متوسط الرواتب في القطاع الحكومي 125 ألف ليرة ( 25 دولاراً)، في حين أنّ الحد الأدنى للأجور بعد الزيادة الأخيرة في كانون الأول/ ديسمبر الماضي توقّف عند عتبة 92 ألف ليرة سورية (17 دولاراً).
ولم يعد خافياً أنّ العديد من الموظفين الحكوميين موجودون على قيود الوزارات والمؤسسات الحكومية بلا عمل. إذ أنّ أغلبهم لا يلتزمون بالدوام الرسمي لأسباب عدة أهمها أنّ “الراتب لا يكفي”.
غياب العديد من الموظفين الحكوميين عن عملهم، دفع أستاذ في كلية الزراعة بجامعة تشرين في محافظة اللاذقية السورية، الدكتور أمجد بدران، لاقتراح زيادة عدد أيام العطلة الأسبوعية في سوريا، والمحددة رسمياً بيومي الجمعة والسبت.
المقترح الجديد، أيّده عدد كبير من السوريين، في ظل أزمة مواصلات تخنق البلاد والعباد، بسبب نقص المحروقات، والتي تؤدي في أغلب الأوقات إلى تعطل العمل الحكومي.
في حين، انتقد قسم آخر هذا المقترح على اعتبار أنّ “أغلب الموظفين الحكوميين في عطلة أصلا ولا يؤدون أعمالهم”.
رغبة موظف ومصلحة عمل
يقول الأستاذ الجامعي أمجد بدران لـ”هاشتاغ” إنّ ما نحتاجه في سوريا لبناء البلد هو تنظيم آلية الدوام الحكومي، فكل العطل في العالم لها أساس ديني، موضحاً: “كمبدأ لا عيب في مراعاة الخصوصية الدينية كونها حالة طاغية بين الناس: الجمعة للمسلمين، والسبت لليهود، والأحد للمسيحيين”.
ويضيف بدران: “حتى الدول التي تدّعي العلمانية تراعي الخصوصية الدينية في عطلتها الرسمية الأسبوعية وليس لها منشأ مدني أو ووظيفي عندها”.
وأشار بدران إلى أنّ بعض الدول بدأت تفكر في ثلاثة أيام عطلة أو يومين ونصف مثل الإمارات.
بالمقابل ثمة قطاعات عدة في سوريا فيها عطلة يوم واحد.
وأعلنت الإمارات في كانون الأول/ ديسمبر 2021 تقليص أيام العمل في الأسبوع من خمسة إلى أربعة أيام ونصف، وتغيير عطلة نهاية الأسبوع من الجمعة والسبت إلى السبت والأحد.
وتمّ تطبيق القرار ابتداء من أول كانون الثاني/ يناير 2022. واعتبرت الحكومة أن القرار الجديد سيسهم “في تعزيز الترابط الأسري والتلاحم المجتمعي، وتحسين حياة الموظفين”.
وحسب طرح بدران فإن “عدد أيام العمل الأسبوعية ستبقى كاملة سبعة من سبعة في كل القطاعات ويجب أن تكون العطلة ثلاثة أيام أو يومين لكن دون تمييز بين أيام الأسبوع أي أن الدائرة الحكومية تفتح بشكل دائم والموظفين بعضهم عطلته سبت وأحد وبعضهم أحد واثنين، وبعضهم اثنين وثلاثاء…الخ، وهكذا مع مراعاة رغبة الموظف ومصلحة العمل”.
ويتابع بدران شرح الفكرة بالقول: حتى لو كانت العطلة ثلاثة أيام فهذا ممكن ويبقى العمل فيها كل الأيام، مضيفاً:” افصلوا بين عطلة الموظف ولتكن يومين أو ثلاثة، وعطلة العمل التي يجب أن تكون صفرا. هذا هو النظام الذي أتمنى تحقيقه في سوريا”.
ويوضح الأستاذ الجامعي سبب الاقتراح بالقول:” ثمة مشكلة في أغلب مفاصل الدولة، فالحاجة مثلاً للقضاة دائمة لكنهم غير موجودين في يوم الجمعة والسبت رغم الإدّعاء بوجود مناوبين، وفي حال تمّ تطبيق المقترح سيتم ضمان وجود الموظفين على رأس عملهم بشكل حقيقي أكثر”.
ويؤكد بدران أنّ المقترح يحتاج لمنظومة عمل متكاملة: ” ثلاثة أيام عطلة لكن العمل مستمر على مدار الأسبوع”.
ويدعو بدران لتحقيق ذلك إلى تنظيم الملاكات والمؤسسات؛ “مثلاً توحيد وزارة الزراعة والري، واختصار عدد الوزارات، إذ أنّ أكثر من مديرية تقوم بمهام مشتركة، بمعنى اختصار المؤسسات التي تقوم بوظيفة مشابهة كل واحدة لها موازنات من الدولة ولا تعلم عن عمل الأخرى”.
ويقول الأستاذ الجامعي: “نحتاج في سوريا إلى قطاع عام قوي. السياسة القائمة الآن تقوم على نهش القطاع العام، ومؤسسات القطاع الخاص محسوبة بمعظمها على السلطة وهي درجة ثالثة ورابعة”.
لا يناسب سوريا..
مقترح الأستاذ الجامعي، انتقده الخبير الاقتصادي، الدكتور عمار يوسف في حديث لـ”هاشتاغ”، وقال إنّ المقترح جيد لكنه “لا يناسب الوضع في سوريا”.
وتعاني سوريا منذ نحو 11 عاماً، من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعاً كبيراً في معدلات التضخم والأسعار وندرة في المحروقات وانقطاعاً طويلاً في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يومياً، دون وجود بدائل حقيقية.
ويرافق ارتفاع أسعار المحروقات ارتفاع في أسعار المنتجات الغذائية والمواد الأولية، التي تعتمد على المشتقات النفطية لتشغيل المولدات ونقل البضائع.
ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه “في حال تمّ تطبيق مقترح العطلة الجديد ستكون أغلب الدوائر الحكومية فارغة لعدة أسباب منها الفساد وعقلية العطلة، إلّا في الوزارات التي فيها دخل براني”.
ويعتمد كثير من الموظفين الحكوميين على الرشاوى تحت مسميات مختلفة (إكرامية أو حلوان)، ولكل موظف يتطلب عمله توقيعاً أو ختماً أو تمرير معاملة لا يمكن أن تنجز من دونه، تسعيرة، وهذا ما أكده مواطنون التقاهم هاشتاغ.
ويضيف يوسف: “لدينا نظام إداري من أيام الفينيقيين لا يمكن تغييره بمجرد مقترح”.
هذا الكلام أيدّه الخبير الاقتصادي حسن خدام في حديثه لهاشتاغ.
يقول: “ثمّة نقص كبير في الوظائف الإدارية داخل مؤسسات الدولة. ونظراً لشح الموارد، لا يلتزم بعض الموظفين الحكوميين بالعمل أو الدوام بشكل حقيقي”.
يتابع الخبير:” اليوم أصبح كامل الراتب الشهري للموظف بالكاد يكفي تكلفة مواصلات الموظف، وكثيرون من العاملين في مؤسسات الدولة أصلاً يضطرون لرفد دخلهم بأعمال أخرى، نادراً ما يكفي لتأمين الحاجات الأساسية”.
ويوضح الباحث الاقتصادي أنّ “أثر هذا التفريغ لمؤسسات الدولة بات واضحاً في كلّ المؤسسات العامة، وأصبحت أغلب تلك المؤسسات لا تقدّم الخدمات الموكولة لها”.
نصف الأجر ونصف العمل
الخبير في الشؤون الإدارية، الدكتور عبد الرحمن تيشوري قال لهاشتاغ إنّ مقترح زيادة عدد أيام العطلة في سوريا جيد ويمكن تنفيذه في سوريا.
وأشار إلى أنه كان قد اقترح سابقاً ” نصف العمل بنصف الأجر، وهو معمول به في مصر، بما يتيح للموظف إيجاد عمل آخر يحقق له دخلا إضافيا”.
ويتابع الخبير في الشؤون الإدارية بالقول إنّ آخر إحصاءات تقارير التنمية العالمية تقول إن الموظف السوري لا يعمل سوى 29 دقيقة في اليوم.
مضيفا: إذا كان لدينا 2 مليون موظف لا مشكلة بوجود مليون موظف يعملون بشكل حقيقي ويتناوبون مع المليون البقية على العمل أيام الأسبوع.
وسبق لوزارة التنمية الإدارية السورية أن أعلنت عن مسابقة مركزية توفر 85 ألف فرصة عمل حكومي جديدة، فيما تحدثت تقديرات رسمية عن حاجة سوريا سنوياً لأكثر من 300 ألف فرصة عمل.
وقالت وزيرة التنمية الإدارية السورية الدكتورة سلام سفاف إن مسابقة التوظيف توجّه نحو التوظيف الصحيح واستقطاب الموارد البشرية بالشكل الأمثل والقطاع العام هو المشغل الأكبر في سوق العمل.
لكن الوزيرة لم تتحدث عن الراتب الهزيل للوظيفة الحكومية، والذي يعتبره معظم السوريين عبارة عن “راتب بطالة”.
من وجهة نظر تيشوري فإنه يمكن تكييف القانون الإدراي وقانون العمل بما يناسب المقترح، وبالتالي “يخلق رضا وظيفي عند المواطنين”.
ويرى الخبير في الشؤون الإدارية أن المقترح يمكن تطبيقه لفترة محددة فـ”سوريا أصبحت قاسية على أبنائها” على حد تعبيره.