*محمد صالح الفتيح
أعلنت النتائج الرسمية لفرز أقل بقليل من نصف المقاعد النيابية اللبنانية (البالغة إجمالاً 128 مقعداً). النتائج الإجمالية تشير إلى أن “حزب الله” والتيار الوطني الحر (تيار ميشال عون وجبران باسيل) وحلفاءهما لم يحصلوا على حصة الأغلبية (يرجح أن حصتهم ستكون بحدود 60 إلى 63 مقعداً). بالمقابل كتلة القوات اللبنانية وحلفائها، بالإضافة للمستقلين والأعضاء الجدد ستكون أقل من 60 مقعداً، فيما ستكون كتلة جنبلاط (ممثلةً بنجله تيمور جنبلاط) هي بيضة القبان مرة أخرى (6 إلى 7 نواب).
الكتل الواقعة خارج تحالف “حزب الله” والتيار الوطني الحر ليست بالكتلة المتماسكة أو المتحالفة وهي بعيدة عن أن تكون كذلك، فهي مثلاً تضم أسامة سعد، من التنظيم الشعبي الناصري، الذي أعلن صراحة أنه لن يصوت لانتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب ومن المرجح أن يعارض تشكيل حكومة تضم الوجوه التقليدية، إلا أنه بالمقابل لن يعمل ضد “حزب الله”.
هناك سقوط مدوي لبعض الوجوه المزمنة في مجلس النواب اللبناني، خصوصاً إيلي الفرزلي (النائب المزمن لرئيس مجلس النواب) والمير طلال أرسلان، وأسعد حردان (من الحزب القومي السوري). والثلاثة محسوبون على سوريا، والثلاثة نواب منذ ثلاث عقود، ولكنهم خسروا لصالح وجوه جدد غير تقليدية، خصوصاً حردان، في الجنوب اللبناني، الذي خسر أمام الدكتور إلياس جرادة، من الحزب الشيوعي، والذي حاول البعض الترويج لكونه مدعوماً من القوات اللبنانية، إلا أن الرجل كان من أوائل من سجنه الاحتلال الإسرائيلي في سجن الخيام في ثمانينات القرن الماضي لدعمه المقاومة الوطنية.
ولكن هل حصل تغيير في لبنان؟ عدد الوجوه الجديدة بالكامل، والتي لا تمثل استمراراً للزعامات التقليدية أو الكتل السياسية التقليدية، هو بحدود 5 نواب، ولن يصل إلى 10 (من أصل 128)، وهذا تغيير ضئيل لا يصل إلى 10% في بلد عانى الإفلاس ويقف على شفير المجاعة.
بعض من يعتبر “حزب الله” والتيار الوطني الحر خصماً له سيعتبر أن التغيير قد حصل، ولكن بالنسبة لي، كمراقب خارجي، لا يمكنني اعتبار تقدم القوات اللبنانية وبعض الشخصيات، مثل أشرف ريفي، تغييراً، والأكيد أنه لن يغير الوضع الاقتصادي للبنان.
عموماً، هناك ثلاثة معارك مقبلة:
المعركة الأولى، معركة انتخاب نبيه بري مرة أخرى رئيساً لمجلس النواب. سيحتاج بري إلى 65 صوتاً أو أكثر وهذا ممكن في ضوء الدعم المرجح من جانب وليد جنبلاط، الحليف التاريخي الأقدم لنبيه بري. انتخاب بري لن يخلُ من المشاكل، خصوصاً في ضوء ترجيح بروز كتلة مسيحية كبيرة ترفض انتخابه، إلا أنه سيمر.
المعركة الثانية، معركة اختيار رئيس الحكومة. فـ”حزب الله” وحلفاؤه لا يمتلكون الكتلة الكافية لتسمية من يريدون، وباقي الكتل، بالرغم من تبايناتها، ستتوافق ضمناً على رفض الكثير من المرشحين المحتملين.
وما يزيد المسألة تعقيداً انخفاض نسبة المشاركة السنية في الانتخابات، سواء على مستوى الزعامات أو على مستوى التصويت الشعبي. وهذا ما يرجح أن أي خرق محتمل عبر تمرير مرشح يحظى بدعم 65+ نائباً سيكون عبر شخصية شبيهة بـ”حسان دياب”، أي شخصية من الصف السني الثالث أو الرابع والتي ترفضها الزعامات السنية السياسية والدينية.
وللتذكير، فإن اختيار رئيس الحكومة وتشكيل الحكومة كان يستغرق، في الظروف المثالية، أشهراً عدة (انتخابات مايو/أيار 2018، أعقبها تشكيل الحكومة في يناير/كانون الثاني 2019). وما سيأخر التوافق على تكليف شخصية جديدة قادرة على تشكيل الحكومة هو أن هذه الشخصية ستتحمل تبعات القرارات الاقتصادية القاسية التي تهربت الحكومة الحالية من اتخاذها (وهي الحكومة التي ولدت بمعجزة بالمناسبة، بعد اعتذار اثنين عن مهمة التشكيل، سعد الحريري ومصطفى أديب).
الحكومة الحالية برئاسة نجيب ميقاتي تهربت من المضي قدماً بالاتفاقات مع صندوق النقد الدولي، والاتفاقات مع الأردن لنقل الكهرباء والغاز عبر سوريا. ومعركة تشكيل الحكومة ستتداخل سريعاً مع المعركة الثالثة.
المعركة الثالثة، معركة اختيار رئيس الجمهورية في أكتوبر/تشرين الأول. الكتلة المعارضة تمتلك أكثر من ثلث المقاعد في مجلس النواب وبالتالي فهي تمتلك قدرة تعطيل انعقاد المجلس في حال حاول التيار الوطني الحر و”حزب الله” تمرير انتخاب جبران باسيل (أما سيناريو انتخاب سليمان فرنجية فهو سيناريو أضعف بكثير، إذ سينضم جبران باسيل ومعه أقل بقليل من 20 نائباً للمعارضة في وجه انتخابه).
الرجل الأقوى في المعسكر المسيحي والأجدر نظرياً بالحصول على موقع رئاسة الجمهورية هو سمير جعجع إلا أن انتخابه شبه مستحيل أيضاً. إذاً لدينا ثلاثة مرشحين تقليديين ممكنين نظرياً ومستحيلين عملياً.
المرشح غير التقليدي هو قائد الجيش، جوزيف عون (لا قرابة مع ميشال عون)، إلا أن انتخابه يتطلب الحصول على استثناء من مجلس النواب، وهذا أمر معقد في التوازنات الحالية، فضلاً عن أن هناك نظرة متزايدة له بأنه رجل الولايات المتحدة. لهذا يرجح بقاء موقع رئاسة الجمهورية شاغراً على المدى المنظور (علماً أنه بقي في أخر مرة شاغراً لعامين، 2014-2016).
وبعيداً عن هذه المعارك، يسجل أن أياً من الكتل السياسية والمرشحين المختلفين، بما فيهم الوجوه الجديدة، لم يقدم أي تصور واضح لإنقاذ الوضع الاقتصادي اللبناني. ومن كان يعد سابقاً بالانفراجات المذهلة مع التوجه شرقاً يلتزم الصمت حالياً، أما المعارضة فتكتفي بتكرار الوعود بأن تطبيق القرارات الدولية (في إشارة لسلاح الحزب) هو المخرج، ولكن هذا أبعد ما يكون عن الواقع.
اللبنانيون يتحملون المسؤولية بتقديري بسبب اعتزالهم الانتخابات وفشلهم بتقديم حتى 10% من الوجوه الجديدة إلى المجلس.
*باحث سوري مقيم في بريطانيا