الجمعة, نوفمبر 1, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمرمسائل النظام الإقليمي

مسائل النظام الإقليمي

هاشتاغ_مازن بلال

تظهر مفارقة الأزمة السورية في رؤيتها من منظور نظام إقليمي انتهى بشكل دراماتيكي نهاية القرن الماضي، و “الربيع العربي” شكل إحدى التداعيات لتصدع النظام الإقليمي دون ظهور معالم واضحة لعلاقات جديدة، أو حتى تحالفات يمكن أن تؤمن استقرارا لشرقي المتوسط عموما، فالاضطراب في سورية مستمر وسط قلق من كل أشكال التصاعد أو الخفوت لبعض القوى، وما كشفت عنه صحيفة وول ستريت جورنال عن اجتماعات عسكرية في شرم الشيخ ضمن دولا عربية إضافة للولايات المتحدة وإسرائيل؛ يوضح أن المسائل الإقليمية ماتزال عالقة أمام “ركام” الانهيارات السياسية التي شهدتها المنطقة على مدى عقدين.

عمليا فإن الأزمة السورية ظهرت بعد اختبارات متعددة للعلاقات الإقليمية منذ الاحتلال الأمريكي للعراق، وربما كانت أبرز هذه الاختبارات تصاعد العلاقة بين دمشق وأنقرة، وتشكيل “محور المقاومة” الذي ظهر كمحاولة ربط إقليمي، ورغم أن هذا الحلف لم ينهار كما حدث للعلاقات التركية – السورية، لكنه أصبح نقطة تأزم خطرة لأنه شكل جبهة يرتكز على طرفيها قوى غير متناسقة، وتملك من التناقضات ما يجعل من الصعب خلق نظام إقليمي يسند “محور المقاومة” كحالة إقليمية ناظمة.

عندما بدأت الأزمة السورية ظهرت العديد من التجاذبات بين دول المنطقة، ولكن رؤيتها لنوعية النظام الإقليمي بقيت مشوشة، وتم اعتبار الانتصار بالحرب على سوريا خطوة مؤسسة لرسم خارطة إقليمية جديدة غايتها عزل إيران، إلا أن هذا التوجه اعترضته مسألتان:

– الأولى أن هذه الحرب محورها الأساسي كان تركيا التي لا تملك مصالح في محاصرة إيران، وفي نفس الوقت تتنافس داخل نفس المحور الذي يهاجم سوريا مع السعودية، وخصوصا في موضوع المرجعية الدينية بين أنقرة والرياض.

– التقارب التركي – السعودي القوي ظهر مرة واحدة عند تأسيس “جيش الفتح” الذي احتل إدلب، وبعدها ظهر تنافس “ناعم” على قيادة الجهاز السياسي لـ”المعارضة السورية” ومازال مستمرا حتى الآن، والتقارب الجديد بين البلدين يصعب الحكم عليه من منظور إقليمي، فهو محاولة كسر قواعد سياسية فرضتها واقعة اغتيال الخاشقحي في ظل اضطراب دولي.

– المسألة الثانية تتجلى بعدم وضوح توزع القوى سواء ضمن “محور المقاومة” أو في مساحة الدول المنافسة، وتركيا تلعب في هذه المسألة دورا أيضا فهي على جانبي القوى المتناقضة، في وقت خلطت فيه الحرب في أوكرانيا الأوراق وأدخلت السعودية على سبيل المثال كجزء من تجميع القوى بين روسيا والولايات المتحدة.

النظام الإقليمي بصورته الأكثر بريقا تطرحها الإمارات المتحدة كنموذج للتوازنات، سواء في علاقاتها مع الأطراف المتناقضة أو في قدرتها على إدارة الخلافات ضمن مجلس التعاون الخليجي، لكن هذه النموذج يستحيل تعميمه عندما ننتقل إلى دول أخرى مثل السعودية التي تملك تماسا مباشرا مع إيران، أو “إسرائيل” التي تمتلك استراتيجية تعبر عن قلق وجودي دائم.

اضطراب النظام الإقليمي ينعكس مباشرة على الأزمة السورية، ويمنع ظهور استيعاب لها ضمن دول المنطقة، ومهمة سوريا تبدو أصعب أيضا لأنها ماتزال تعيش ضمن صيغ النظام الإقليمي القديم، سواء في رسم علاقاتها أو تحديد توجهاتها، ورغم أن هذا الأمر يقدم لها عاملا سياسيا هاما في تمايزها السياسي، لكنه تمايز مشروط في القدرة على إنعاش مشروعها السياسي الخاص، وهذه المسألة تحد أساسي ليس لإنهاء الأزمة فقط بل لتكريس موقع سورية الإقليمي.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة