هاشتاغ – رأي: نضال الخضري
هناك صخب خاص أستيقظ عليه ويجعلني جزءا من وجع يلازمني، وعندما أحاول رصد تلك الضوضاء أخفق في تتبعها، فهي تكوين يجتاحني بلا مصدر حقيقي؛ لأنها انعكاس لأحداث بعيدة أو لقراءات هدفها الأول والأخير خلق ضجيج يكسر “الهدوء القاتل” الذي يلفنا ونحن ننتظر الحدث، أو نتابعه وهو ينتشر سريعاً من فلسطين نحو الاتجاهات الأربع.
ربما لا يوجد ما هو جديد فلغة الموت مستمرة وتقفز أحياناً لتذكرنا أن الأمان أصبح حالة مستحيلة، فما الفرق بين اغتيالات تجري في سوريا أو قصف يحدث في لبنان، أو حتى عاصفة الموت التي تجتاح غزة والضفة، ففي النهاية يبقى الهدوء السياسي القاتل سمة لعصر يودع ثقافة هشة، ويستقبل زمناً غريباً وغير مألوف على مجتمعات يضربها الضجيج وتبقى قادرة على “التواصل الاجتماعي” داخل الساحة الافتراضية، وتستطيع أيضاً كسر مألوف الموت بحركة سريعة ثم العودة إلى السكون الممل.
للاطلاع على المزيد: الانتظار في الحروب
عندما بدأ الصخب يدهمني قبل ما يزيد على عقد كانت المساحات حولي لا توحي أن هناك زمناً جديداً، أو حتى انهيارات ستبدل كل ما يحيط بي، وعندما بدأ الموت يجول في شوارع سوريا انتهت الحدود، وأصبح الجميع محاصراً بتداعيات هذا الصخب الذي ينتشر وسط صمت سياسي مقلق، وعندما يصرخ أطفال غزة اليوم أدرك أن عقداً ونصف مر ببطء شديد ليكسر كل ما هو طبيعي، وبدأ الموت ينتقل سريعاً من دمشق إلى غزة والضفة.
نحن لا نملك من ثقافة السنوات السابقة إلا صوراً، نادراً ما نسترجعها لأنها مكررة، وكئيبة مثل الأشهر التي رافقتها وحملت البعض على الرحيل، بينما غادرنا الكثيرون مكرهين إلى عالم آخر لا نعلم عنه شيئا، وفي الفراغ الذي يلفنا لا نستطيع التعبير عما حدث، ولا الزمن قادر على العبور إلى نقطة مختلفة، فزمن الحروب بدأ مبكراً وأخذ سمة التوحش الذي يحصد الثقافة قبل الأرواح، والفارق بين الماضي والحاضر هو “الصمت” السياسي القاتل الذي يلف الجميع على الرغم من صخب المجازر والتسلط.
هناك سردية يمكن أن أكتبها اليوم عن فتيات وفتيان ابتلعهم الحدث في غزة، أو حصدتهم قذيفة في شوارع دمشق قبل سنوات، لكن أي رواية لن تكون قادرة على نقل التحول السريع بين الابتسامة والرعب أو الموت والحياة، فما حدث يحتاج إلى لغة استثنائية تعبر سريعاً وتترك انطباعاً أبدياً، وكافة الأحرف مهما طال اصطفافها لن تكون قادرة على نقل تلك الصور التي تحولت لانطباع دائم على وجوه من بقوا أحياء.
هو صمت قاتل على الرغم من الصخب والعنف.. هو حياتي وحياتنا المهدورة على هامش التفاوض، وجولات السياسة العقيمة وسط قحط التفكير، وهو العجز أيضاً حتى عن الانتقال إلى مسافة أقرب باتجاه الحدث؛ فهو حالة فريدة وتجربة تاريخية يصعب التخلص منها أو فهمها أو حتى التعايش معها، فالكل يقف عند أبواب الزمن الجديد لكنه لا يستطيع العبور بسبب الصمت القاتل.