Site icon هاشتاغ

الوجه السياسي الآخر

الوجه السياسي الآخر

الوجه السياسي الآخر

نضال الخضري

وضع بنيامين نتينياهو “الرواية الإسرائيلية” على محك الاختبار، ووضع معها مفارقات السياسات المعاصرة كلها، وبدع الحداثة التي انتهت على ما يبدو عن حدود القارة الأمريكية، وخطابه أمام الكونغرس كان صورا متراكبة للكراهية التي تدعي السياسة، وللقدرة على رسم العواطف وكأنها حالة طارئة لا تملك ماض ولا تحلم بيوم قادم، لكنه في النهاية كان يتباهى بالتصفيق وبمشهد ملحمي يشكل ذروة اليأس من عالم أصبح بعيدا عنا.

كان خطابه أمام الكونغرس متوقعا، لكن إعجاب النواب الأمريكيين هو ما يجعل الصورة قاتمة ومليئة بالشكوك، فالأمريكيون المغرمون بالتعبير عن إيمانهم كلما تحدثوا عن السياسة استمعوا لخطاب كامل يخلو من السياسة، ويريد فقط نشر العواطف وربما استدراج الدموع من جمهور لا يحتاج إلى استثارة العواطف كي يقف مع “إسرائيل”، لكن رئيس الوزراء الإسرائيلي أراد تأكيد إيمانهم أو دعوتهم لمزيد من الثقة بأن السياسة لا تجدي طالما القتل هو بدافع الإيمان.

لا يوجد أي تحليل سياسي لما قاله نتنياهو، ففيما يتعلق بالمستمع العادي هو استفزاز للخصوم، وفيما يتعلق بالخبير هو مجرد حديث لاستعراض التصفيق وتأكيد “الذات” التي على وشك أن تُدان من “الجنائية الدولية”، أما مقاربات نتنياهو فهي ليس غريبة، فهو يدافع عن الولايات المتحدة بالمجازر والاغتيالات ومعاركه ضد “التوحش الإيراني”، وهو يقدم تصورا للشرق الأوسط المستقر بعد “الإبادة الجماعية” لكل الخصوم، فمعركته تشبه المرويات التراثية ولكنها منقولة بلسان معاصر.

ليس علينا أن نفهم “إسرائيل” ولا الاستنفار الغربي بعد عملية طوفان الأقصى، فالقضية لا ترتبط على ما يبدو بعملية عسكرية بل بـ”إيمان” لا يرتبط بالسياسة ولا يستند إلى مفاهيم حل الأزمات، فنحن وبعد عشرة أشهر من المعارك أمام ظاهرة “انتقامية” شاملة، ربما يقودها نتنياهو لكنها مبنية على صورة غربية فيها من التاريخ أكثر من الحداثة والسياسة والثقافة التي تريد نشر الحريات، فهناك من دفن تلك الحداثة فوق آلاف الضحايا، ثم رسم سردية أمام أعضاء الكونغرس عن محاربة الوحشية.

ربما نملك الكثير من التفسيرات للحرب الدائرة في غزة، لكننا معنيون بطريقة الخطاب الذي خلفته، وبإعادة رسم الصورة التي ظهر عليها الطرفان، ففي غزة تنهار المباني على ساكنيها، وتطارد “إسرائيل” النازحين، لكن تأثير هذا الموضوع في أوروبا والولايات المتحدة لم يتجاوز الردود الشعبية التي ارتفعت ثم هدأت، فتلك الحرب متشابكة مع شكل الإقليم وليس مع سردية نتنياهو، والاستنفار الأمريكي لا يُظهِر فقط “إيمانا” بـ”إسرائيل” التاريخية فقط، بل محاولة لسحق كل التصورات التي لا تتوافق مع هذا “الإيمان”.

هناك حلول مغلقة يوحي بها “نتنياهو” عبر حق الاستعلاء على الجميع، وهنا أيضا مسارات ربما علينا الاعتراف أنها لم تكن مجدية منذ البدية؛ لكنها جاءت نتيجة الانهاك من الحروب والهزائم، فهزيمة نتنياهو لن تكون برسم “إيمان” مخالف، إنما بفهم درس القوة الذي يمارسه اليوم وسيمارسه مستقبلا في أرجاء المنطقة كافة.

Exit mobile version