- إعلان -
هاشتاغ-رأي مازن بلال
أكثر تصريحات جرأة جاءت من الرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب الذي عد أن تركيا استولت على سوريا، وهذا الأمر لا يبدو مقلقا حتى اللحظة لمعظم الدول العربية، فالطريق إلى دمشق بات يمر من أنقرة، والبرامج الدبلوماسية لبعض القيادات اللبنانية تكشف هذا الأمر، فمعظمهم سيزور سوريا وفق التصريحات، وذلك بعد مباحثات مع تركيا.
عمليا فإن التركيز السياسي على مسألة طبيعة النظام السياسي السابق وطريقة تعامل “هيئة تحرير الشام” مع التنوع السوري هي أمور هامشية، لأن النظام الإقليمي يتم بناؤه اليوم على مساحة اعتادتها سوريا تاريخيا، وهذا ما تحدث عنه وزير الخارجية التركية السابق داوود أوغلو عن الحديقة الخلفية، فما ترسمه تركيا بات واضحا أكثر مع تنجي الدورين الروسي والإيراني.
مرحلة استقرار سوريا مهمة جدا لأنقرة، لأنها ستنهي إمكانية التنافس السياسي إقليميا على الأقل في مسألة بسط النفوذ وإعادة رسم “غرب آسيا” أو “الشرق القديم” وفق تصوراتها التي لن تقف عند الحدود السورية جنوبا، فالمرحلة القادمة هي جديدة نوعيا لسببين:
الأول هو أن صورة سوريا بوصفها مركزاً إقليمياً انزاحت شمالا نحو تركيا، واستقرار لبنان والأردن على الأقل بات مربوطا باستراتيجية أنقرة، وأي مسألة سلام مع “إسرائيل” سيظهر من مكاتب حزب العدالة والتنمية.
هذه المسألة تبدو جوهرية مستقبلا لأن “إسرائيل” ستكون أمام حالة سياسية غير مسبوقة في تاريخ الصراع، إذ لا توجد جبهات محصنة أمامها ولكنها في المقابل أمام استراتيجية غير عربية في مسألة دخولها في النظام الإقليمي، فتركيا ستحاول إبقاء حدود دنيا من مسألة “الصراع” لتكسب على الأقل حالة مركزية داخل المنطقة.
السبب الثاني يبدو في هوية سوريا المتأرجحة اليوم بين التنوع والافتراق، وهذا الملف أساسي لنجاح تركيا في إدارة الأزمات إقليميا، فتطمين ما تسميه التصريحات “بالأقليات”، وحديث أحمد الشرع عن أن سوريا ستكون طبيعية مع أخذ “العادات بعين الاعتبار” يوحي أن المسار السوري لن يتجه ضمن سياق واحد، وأن المسألة لا تحمل تصورات واضحة في أذهان “الهيئة”.
صورة سوريا الاجتماعية هي الأهم على المستوى الداخلي، فما يحدث حتى اللحظة هو تطمينات فقط، لكن المسار الذي اتسمت به سوريا بعد الاستقلال لا يبدو جزءاً من رسم مساحة السياسات العامة للهيئة لأنها تبحث في هذه اللحظة عن كسر أي احتمال للتنافس الداخلي.
فهم سوريا اليوم سيكون مسارا معقدا يبدأ حاليا بمركزية أنقرة بالنسبة للقرار في دمشق، ولكنه سيشكل حدود صراع إقليمي آخر في الجنوب باتجاه الأردن والسعودية، وسيدفع لشكوك كثيرة بدأتها مصر بإجراءات متعلقة بدخول السوريين، فالجميع يدرك أن زلزالا على المستوى الجيوستراتيجي انطلق من سوريا، وهو تاريخيا يشبه انهيار دولة المماليك في معركة مرج دابق وبداية العصر العثماني.