هاشتاغ _ حسن عيسى
يتواصل مسلسل الاستقالات من الوظائف الحكومية في سوريا، في ظل أزمةٍ معيشية “غير مسبوقة” بدّلت النظرة التي كانت قبل سنوات تجاه تلك الوظائف.
استقالات طالت جميع المؤسسات الحكومية دون استثناء، في مقدمة أسبابها الرواتب “الهزيلة” التي يتقاضاها موظفو القطاع العام، والتي لا تتناسب والمستوى المعيشي الذي تشهده البلاد.
عشرون دولاراً فقط، هو متوسط الرواتب التي تقدمها الوظائف الحكومية للسوريين، في وقت أشارت فيه الدراسات لحاجة العائلة السورية إلى ما يقارب الـ 400 دولا.
هذه الفجوة بين متوسط الدخل والحاجة الفعلية، خلقت أزمةً جديدةً عصفت بمؤسسات الحكومة، وأدت لجملةٍ من الاستقالات التي لا يزال معظمها عالقاً ينتظر الموافقة.
فانوس سحري
المهندس طارق، أحد سكان جرمانا جنوبي العاصمة دمشق، أشار في حديثه لـ “هاشتاغ” إلى أنه أُجبر منذ عدة أشهر على ترك وظيفته والتفرّغ للأعمال الخاصة.
طارق الذي كان موظفّاً في إحدى الدوائر التابعة لاتصالات ريف دمشق، ذكر أن الراتب الذي كان يتقاضاه من وظيفته لم يعد يكفي لدفع أجار منزله.
واعتبر طارق أن عمله الحالي في مجال البرمجيات مع إحدى الشركات الخاصة، هو الفانوس السحري الذي سيحقق له ما عجزت عن تحقيقه وظيفته عند الحكومة.
وقال: ” أنا اليوم أتقاضى أجراً يومياً يعادل ما كنت أتقاضاه طوال شهر من العمل، ناهيك عن عناء المواصلات التي كنت أتكبدّه لأصل لوظيفتي”.
نعمل للحكومة ونحاسب المواصلات!
بدوره، عمار، الموظّف السابق بقطاع كهرباء دمشق، وأحد سكان منطقة المزة، أعرب لـ “هاشتاغ” عن سعادته الكبيرة بعد قبول طلب استقالته الذي قدمّه منذ عام.
عمار رأى أنه مع اشتداد الوضع الاقتصادي سوءاً لم يعد أمامه سوى التخلي عن وظيفته، والعمل ضمن ورشات التمديدات مع مختلف مكاتب التعهدات العقارية.
وأوضح عمار أن ما زاد الوضع تعقيداً في فترته الأخيرة مع الوظيفة، هو توقف المبيت الذي كان يوفّر عليه دفع راتبه كاملاً تكاليف مواصلات.
وقال عمار: “أصبحنا نعمل مع الحكومة ونحاسب أصحاب التكاسي والسرافيس، الحال أصبح أفضل بعد التخلي عن الوظيفة، لست نادماً، أشعر بالرضا تجاه نفسي وعائلتي”.
الأسرة أولاً
لم يختلف الحال عند سمر، الموظفة في إحدى دوائر الإسكان بمحافظة حمص، والتي عزمت على ترك وظيفتها منذ أقل من شهر، رغم رفض طلب استقالتها.
سمر أوضحت لـ “هاشتاغ” أنها فضّلت الجلوس في منزلها بين زوجها وأطفالها، على أن تتكلف العناء اليومي في الذهاب لعملٍ مردوده لا يُذكر، بحسب تعبيرها.
وقالت: “زوجي يعمل في ورشة بناء ومدخوله يكفينا، ما الهدف من ذهابي إلى وظيفة مدخولها لا يكفي مواصلات!، لم يقبلوا استقالتي ومع ذلك لن أعود”.
وكشفت سمر عن أن العديد من زميلاتها اتخذوا نفس قرارها، معتبرةً أنه في حال بقي الوضع كما هو عليه فستفرغ الدوائر الحكومية من الموظفين.
انقلاب الموازين الوظيفية
قبل الأزمة كان السوريون يلهثون وراء الحصول على نصيبٍ من الوظائف الحكومية، مستخدمين كافة الأساليب المتاحة من “واسطات” ودفع رشاوي، وغيرها من الأساليب.
أما اليوم، وبحسب ما أفاد به محمود، الموظف في دائرة خدمات طرطوس، أصبح الوضع معكوساً، إذ أن الموظّف بات يستخدم تلك الأساليب للتخلي عن وظيفته.
ويشير محمود في حديثه لـ “هاشتاغ” إلى أنه عمل المستحيل قبل عشر سنوات للحصول على وظيفته تلك، واليوم يعمل نفس الشيء حتى يتركها.
وقال: “لم أذهب للوظيفة منذ أسابيع، صممت على السفر وأحتاج لجواز، والجواز يتطلب العديد من الموافقات التي لم أحصل عليها حتى الآن”.
فشل حكومي
الخبير الاقتصادي، الدكتور عمار يوسف، اعتبر في حديثه لـ “هاشتاغ”، أن موجة الاستقالات الحالية هي رد فعل طبيعي، طالما أن الرواتب ما تزال بمستوى متدني.
وأشار يوسف إلى أن ما يحصل هو إفراغ للكوادر الإدارية في المؤسسات الحكومة، وتهديد ينذر بتوقّف العمل، واتجاه الخبرات العلمية والإدارية نحو القطاع الخاص.
ورأى أنه في حال لم يجرِ أي تعديل على المستوى المعيشي وعلى الحياة الوظيفية، فإن البلاد مقبلة على فشل حكومي مستقبلي في المدى القريب.
وبين يوسف أن الموظف الذي يدفع نصف راتبه للمواصلات سيتجه إما للفساد، أو للتخلي عن وظيفته باعتبارها أصبحت غير مجدية، ويبحث عن عمل بمجال آخر.
ونوّه إلى الموظفين الذين ما يزالون على رأس عملهم ولم يسلكوا أي من الطريقين، معتبراً أنهم يتساوون بالأهمية مع عناصر الجيش السوري على الجبهات.
وذكر يوسف أنه عندما يكون راتب الموظف 120 ألف وحاجته الحقيقية نحو 3 ملايين ونصف المليون ليرة سورية، فإن الحل الوحيد أمامه هو الاستقالة، بحسب تعبيره.
وأَفاد الخبير الاقتصادي بأن عدد موظفي القطاع العام يقارب حالياً المليوني موظف، مبيناً أن هذا العدد يمثّل كارثة كبرى في حال توسّع موجة الاستقالات.
الاستقالات من الوظائف الحكومية
وفي وقت سابق من العام الماضي، أفادت تقارير صحفية محلية بحدوث مئات الاستقالات، في مختلف المؤسسات الحكومية السورية بعدة محافظات.
وكشفت التقارير عن وجود أضعاف تلك الاستقالات على شكل طلبات، لم يتم قبولها، في حين اتجه العديد من الموظفين لترك عملهم دون انتظار الموافقات.
وتعود أسباب الاستقالات لسوء الوضع المعيشي الذي ترافق مع انخفاض قيمة العملة المحلية، في وقت ما تزال الحكومة السورية تدفع فيه رواتب متدنية.
تحت خط الفقر
المقارنات الدولية تشير إلى أن خط الفقر المعتمد عالمياً هو 1.9 دولار للفرد يومياً، بحيث يحتاج الفرد ذلك المبلغ لتأمين الحد الأدنى من احتياجاته الأساسية.
ومع اعتبار أن متوسط سعر صرف الدولار في السوق السوداء في سوريا هو 5000 ليرة، فإن المواطن يحتاج إنفاقاً قدره 9500 ليرة، أي 285 ألف شهرياً.
ووفق للمعيار السابق، فإن الفرد الواحد يحتاج إلى 57 دولار شهرياً ليبقى على خط الفقر، في حين يوفر له الحد الأدنى للأجور في سوريا حوالي 18 دولاراً فقط.
ووفقاً لتلك الإحصائية، فإن الحد الأدنى للأجر للفرد الواحد في سوريا، والبالغ نحو 93 ألف ليرة، أقل من خط الفقر العالمي بحوالي 68 في المئة.
يشار إلى أن رقم الفقر الدولي (1.9 دولار باليوم)، هو رقم معياري صارد عن البنك الدولي، يتم على أساسه قياس مستويات الدخل بجميع دول العالم.