هاشتاغ- إيفين دوبا
قبل 12 عاما لم يدّخر المهندس ابراهيم فرصة تمكّنه من الحصول على وظيفة حكومية يخرج منها براتب شهري ثابت. “دفع هنا وهناك” وأدخل على الخط الكثير من “الوساطات” حسب تعبيره لتحقيق ذلك، ورغم أنه حظي بما أراد حينها، إلا أنه يسعى في الوقت الحالي لاتباع الخطوات ذاتها لكن لتحقيق “هدفٍ معاكس”.
يكشف ابراهيم لهاشتاغ: “منذ أكثر من شهرين أبحث عن واسطة.. لكن للاستقالة!”.
قبل 2011، كانت الوظيفة الحكومية حلما لمعظم السوريين بما تقدمه من راتب ثابت، لكنها تحولت اليوم إلى كابوس مع ارتفاع مستلزمات المعيشة وتدني الأجور.
ومع ذلك، تنشر العديد من الجهات والمؤسسات الحكومية السورية إعلانات التوظيف وتطلب موظفين من شتى الاختصاصات ليس آخرها مؤسسة الاتصالات، تشي بوجود نقص في الكوادر وعدم رغبة بالوظيفة الحكومية.. بمعنى أنه “انقلبت الآية” بعد أن كانت الوظيفة حلم تحولت لأمر غير مرغوب لدى معظم السوريين.
قبل بداية الحرب السورية كان راتب “ابراهيم” الشهري يساوي بالليرة السورية 45 ألفا (مايعادل الف دولار حسب سعر الصرف في ذلك الوقت). أما اليوم فيتقاضى 400 ألف ليرة سورية مع الحوافز والبدلات (أي 27 دولارا وفق سعر الصرف الرسمي)، ويضيف: “كان نعمة وأصبح نقمة. لم يعد يكفي لشراء ربطات الخبز، وإيجار المواصلات إلى العمل.. الجلوس في المنزل أرحم لي”.
ولا تعد هذه الحالة السورية “استثناءً”، بل تنسحب على المئات بل ربما الآلاف من الأشخاص،فيما يشبه هروبا جماعيا من الموظفين في الدوائر الرسمية، فالغالبية العظمى باتوا يفكّرون في الاستقالة.
وأفرد “هاشتاغ” مؤخرا العديد من التقارير للحديث عن ظاهرة “الاستقالات الجماعية” في سوريا، أوضح فيها أنها تشمل معظم القطاعات، في كل المحافظات. ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى “إفراغ المؤسسات من كوادرها العمالية”.
من يفكر في الوظيفة العامة؟
سؤال جوهري في ظل تزايد أعداد الاستقالات التي تحدث في القطاع العام، يجيب عنه الخبير الاقتصادي الدكتور عمار يوسف بالقول:” كل من يسعى إلى الوظيفة العامة حاليا لا يملك خياراً آخر فيضطر إليها إضافة إلى قيامه بعمل أو اثنين آخرين”.
يتابع عمار يوسف” في حديثه لهاشتاغ، فيقول إنه وسط الفساد الكبير في مؤسسات الدولة يفكر من يسعى إلى الوظيفة العامة في “الدخل البراني” عبر تمرير بعض المعاملات والرشاوى التي باتت تشكل دخلاً كبيراً للعاملين في المؤسسات الحكومية.
وتعاني سوريا منذ نحو 13 عاما، من أزمة اقتصادية ومعيشية خانقة، وارتفاعا كبيرا في معدلات التضخم والأسعار وندرة في المحروقات وانقطاعا طويلا في التيار الكهربائي يصل في بعض المناطق إلى نحو عشرين ساعة يوميا، دون وجود بدائل حقيقية.
ويبلغ وسطي راتب الموظف الحكومي في القطاع العام بسوريا 200 ألف ليرة سورية، مع الزيادات الأخيرة. في حين يحتاج المواطن إلى خمسين ضعف هذا الراتب حتى يستطيع توفير الاحتياجات الضرورية.
وبمراجعة بيانات قوة العمل التي ينشرها المكتب المركزي للإحصاء، فإن عدد الموظفين والمتقاعدين المستفيدين من زيادة الرواتب يتجاوز 2.1 مليون، منهم أكثر من 1.55 مليون موظف وما يزيد عن 550 ألف متقاعد.
وتزيد الحكومة رواتب العاملين في القطاع العام بتواتر ، لكنها تتخلف كثيرا عن التضخم شديد الارتفاع الذي يواصل الزيادة مع انخفاض قياسي في قيمة العملة المحلية.
وعلى مدى العامين الماضيين أكد المسؤولون أن الإلغاء التدريجي للدعم الشامل للخبز والبنزين واستبداله بنظام حصص تصرف ب”بطاقات ذكية” سيحسن سلسلة التوريد التي تعاني من الفساد والهدر وسيخفف من المشكلات المزمنة.
كما ذكروا أن نظام توزيع الحصص يوصل الخدمات بكفاءة إلى المحتاجين بحق، وسيساعد المواطنين الأكثر فقرا في بلد تشكل الرواتب والدعم فيه الجانب الأكبر من إنفاق الدولة.
ويقول خبراء اقتصاد إن السلطات التي أصبحت غير قادرة على نحو متزايد على الإبقاء على الدعم المرتفع، تواجه الآن معوقات متزايدة بسبب تدهور الظروف المعيشية.
الوظيفة والفقر
الخبير الاقتصادي جورج خزام يقول إنه من المتعارف عليه قبل 2011 بأن الوظيفة الحكومية إذا كانت لا تغني ولكنها تحمي من الفقر. أما اليوم فإن الوظيفة الحكومية هي الفقر بذاته برواتب لا تتجاوز أجرة عمل ساعتين في أوروبا.
يتابع “خزام” في تصريحات لهاشتاغ:” عندما نريد معرفة ما هو الراتب الذي يحصل عليه الموظف بنهاية الشهر فإنا يجب أن نخصم منه مصاريف التنقلات و النثريات و عليه فإن ربع أو نصف هذا الراتب بالحد الأدنى هو مصاريف تنقلات.
ويبلغ وسطي الراتب الذي يحصل عليه الموظف خلال شهر واحد عام 2011 يساوي راتب 10 شهور بعام 2024، حسب قول الخبير الاقتصادي، أي أن الموظف كل 10 شهور عمل يقبض راتب شهر واحد من رواتب عام 2011 ويقدم 9 شهور عمل طوعي.