هاشتاغ – رأي:نضال الخضري
لثوانٍ قليلة تتحول دمشق على إيقاع الزمن الجديد إلى مساحة تصغر سريعا، ثم تضغط أبناءها وهم يحاولون اعتياد صورها المركبة، وفقدان حالة من “الانتظام” التي ظنوا أنه أبدي، ففي دمشق كانت كل المظاهر “سرمدية” داخل دائرة واحدة تكسرت جدرانها تكسرا مفاجئا، وتبعثرت الأحياء بعثرة عشوائية، ثم عادت مظاهر الحياة لتكون لوحة سوريالية مليئة بالمفاجآت، واكتشف الجميع أن ميزة الاستقرار انتهت في زمنهم الجديد.
لا تختلف دمشق عن باقي المدن السورية لكنها تلخص ما حدث اجتماعياً وليس سياسياً، فالسياسة متبدلة، والعلاقات الاجتماعية هي الأكثر قسوة لأنها تنقل البعد البشري في أرقى أو أبشع حالته، فكل واقع جديد فرضه الزمن السياسي انعكاس مختلف داخل المجتمع؛ ابتداءً من السيل الجارف لمن أصبحوا من دون عمل، وانتهاء بصور الصرافين وبائعي المشتقات النفطية المنتشرين في كل الساحات، فالتفاصيل اليومية تروي أن دمشق، وربما كل المدن السورية، استفاقت على قدرة عجيبة في تدمير الذات، وفي جعل الأحياء مسرحا لنسف صورة الحياة القديمة.
المسألة ليست انتهاء نظام سياسي بل قدرة على “الانفلات” من التزام مظاهر المدنية، وترتيب الحياة بصرف النظر عن الحدث أو “الشعار” الذي تبدل، فهناك انهيار لرؤية العلاقات الاجتماعية التي تخلقها الحياة المشتركة في الأحياء وربما في مساحة الوطن الأكبر، فعندما تجتاح الشوارع حالة من عدم اليقين بما تحمله اللحظات القادمة تصبح التفاصيل الصغيرة ضجيجًا في الدماغ، وزيوغا بصريا يجعل الشوارع المكتظة ضمن هيستريا البحث عن لقمة العيش.
معالم ساحات المدينة تبدلت على الرغم من أن مظهرها لم يمسه أحد، فرؤية الناس تحولت لأن الرمزية التي تحملها انهارت مع نهاية زمن وبداية آخر، فالتصورات التي رافقت الجميع على امتداد عقود تخوض اليوم أصعب اختبار للتوازن من جديد، ولرسم الرؤية الممكنة لواقع لم تتبدل عبره دمشق فقط بل كل الأمكنة خارج سوريا.
هو زمن غير مألوف لأجيال الحروب المتعاقبة، فاعتياد التحولات الكبرى هو أيضاً ثقافة غير مألوفة في تراثنا، ولا حتى في التشكيل الحضاري الذي بدأ مع ظهور سوريا في النصف الأول من القرن العشرين، فما نعرفه عن أنقسنا على ما يبدو يحتاج إلى قراءة مختلفة اليوم، فنحن “تبدلنا” وتغيرت كل الملامح حولنا لكن تصورات حياتنا بقيت ثابتة، وما يصدمنا اليوم يكسر حتى البعد الثقافي داخلنا ويتركنا على مساحة ضيقة جداً من شوارع المدينة التي تصفعنا بالفوضى واللامبالاة التي تجعلها تجمعاً بشريا ضخما من دون صورة واضحة.
هل نعيش تحولاً خاصاً لأزمنة سياسية متسارعة؟ سؤال يهرب منه الجميع فالحدث ليس سوريا،ً فهو تغيير يمكن رؤيته في كل المحطات الفضائية، لكنه لا يملك تفسيراً داخل عقولنا، ورؤية المدينة يحتاج إلى حالة مختلفة، وإلى موجة جديدة من الفهم والمعرفة تعيد ترتيب المساحة الضيقة لتجعلها أرحب.