الثلاثاء, ديسمبر 24, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةكلام الناساليمن السعيد!

اليمن السعيد!

هاشتاغ_نضال الخضري

عندما تُشعل الحروب ترحل حزمة فرح ويصبح الضجيج صدى لخواء قاتل، فمتى كان اليمن سعيدا؟ ومتى كانت “الشام كنانتي”؟ في زمن “لم يستشهد السلام في أرض السلام”؟ فنحن في حصار الحروب لا تخوننا الذاكرة فقط بل الجغرافية أيضا، ففي اليمن الصورة المتنقلة لبريق الموت الذي استيقظنا عليه يوما في بغداد، ثم اكتشفنا أن اعتياد الحروب يسوقنا نحو الصور القاتمة، وتجعل من العالم مكانا أكثر رعبا.

في “اليمن السعيد” الذي لم يعرف الفرح منذ أكثر من عقد هناك بحر يحمل اللعنة، فمياهه كانت مسارا للموت الذي يعبر نحو الجبال العنيدة، ولا توقفه الخناجر المعقوفة التي تزين خاصرة الرجال، أو كبرياء النساء اللواتي يتشحن بسواد القسوة، وربما لا يستسيغ البعض صورة اليمن، لكنها لعنة التواجد ما بين الجبال والبحر، أو الظهور الممتد زمنيا ليصبح قدرا يصعب الهروب منه، فقصة اليمن لا تختلف كثيرا عن روايات باقي المدن المنثورة من حولنا؛ لأنها قصة البقاء عبر الزمن رغم كل الأشكال التي لا تحمل إلا شظف الحياة.

أقرأ المزيد: التفاصيل التي تحاصرنا

هل كان اليمن سعيدا؟ وهل كانت فلسطين أرض السلام قبل أن “يستشهد السلام” كما أخبرتنا فيروز؟ لا أحد يملك إجابة لأن هذه الأمور تبدو شكلا من اليقين لشعوب وجدت وفي جيناتها “حمى الصراع”، وصور القادمين من الشرق والغرب، أو الشمال والجنوب، وهم ينظرون إلى الطبيعة التي تمتزج فيها القسوة بالسماحة، بينما وجوه أهلها تنبض بتحدٍ عمره من زمن الظهور البشري.

لتشتعل الحروب من اليمن إلى غزة، ومن أقصى الشمال في إدلب باتجاه دمشق، فكل هذه الحروب مشهد لعجزنا أو لعجز الآخرين عن فهمنا، ولا يهم هنا فهناك الآخر الذي يتحدث من أقاصي الأرض ويضع سلم قيمٍ لنوعية الموت الذي نستحقه، فالعالم لم يكن يوما آمنا من الحروب، وهو مساحة إبهار لبشرية قادرة على رسم أشكال من القتل وابتكار ذكاء صناعي يكتب الشعر، ورغم أن الحرب كانت تحاصرنا منذ قرون، لكنها لم تظهر بهذا اللون المجهول الذي تم ابتكاره اليوم.

أقرأ المزيد: دمشق.. رغبة الحياة

في دمشق تظهر ملامح اليمن.. ليس تضامنا ولا وحدة مصير بل مفارقة للقسوة التي تنتقل بسرعة الضوء، فتطوف في فلسطين وتترك في غزة هوية التخريب ثم تبحر إلى اليمن، فنستيقظ صباحا وندرك أن الحرب أصبحت في صنعاء، وأن سمة الحروب هي النقل المباشر، فالكل يشاهد عرضا للقوة والموت دون الحاجة للتنقل، واليمن السعيد يحترق بجزوة متنقلة من “غزة هاشم”، وبعدها ندرك أن مصطلح الحرب الإقليمية مستوطن في ديارنا منذ أول ظهور للبشرية.

ربما كان اليمن سعيدا رغم أننا لا نملك وثائق تثبت هذه السعادة، وقد تكون فلسطين أرض السلام، ولكنها بالتأكيد أرض حروب منذ ابتدع الإنسان الزراعة، وربما لا نيأس من ترويض أنفسنا على اعتياد هذه الأوصاف لأننا في النهاية بشر محكومون بالأمل رغم كل الخوف الذي يسكننا.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام
مقالات ذات صلة