هاشتاغ-رأي-نضال الخضري
يعيش التطرف في كل الزوايا التي نسكنها، فهو لم يعد يطل كضيف غير مرغوب به إنما أصبح مرآة الحياة التي نعاصرها.
هو تطرف ظهر لوهلة على أنه إرهاب في الشرق وحالة “شعبوية” في الغرب، وهو ليس مجرد رحلة عابرة قضاها الرئيس “دونالد ترامب” في البيت الأبيض قبل أن يحتل أنصاره الكابيتول.
فالصدمة كانت في اكتشاف أن عدم التطرف أصبح تطرفا بذاته، وأننا في العولمة أصبحنا أرقاما في أسواق الأموال وفي قدرة الاستهلاك.
فما بين اليمين ونظام السوق بشكله الحالي علاقة لا يمكنها أن تنفك عنا، فـ”الرقم” يحتل شخصيتنا ويمحو تفاصيل الألوان التي كونتنا، ثم يعود مرة أخرى كسلاح لقمع حريتنا في تكوين ما نريد أو ما نحن عليه.
نظام السوق في عصر العولمة لا يعني أن السلع يمكن أن تسافر لتشبع مجتمعات متعثرة، بل ربما جعل التفكير ضمن نمطية تتناقض مع الجذر الذي انبثق عنه نظام السوق.
وكلما زادت الأرقام لتحاصر المجتمعات؛ زاد معها “اليمين المتطرف” و “النازيون الجدد” والتيارات الإسلامية المتشددة وغيرها من أشكال الانكماش على الذات.
إذاً، نحن نلامس فيزياء نيوتن في قانونه الثالث عن رد الفعل لطريقة غير نمطية، فيرتد اليمين المتطرف إلى أقصى الزوايا المعتمة، وتنزاح ابتكارات قيم السوق لتحطم كل المساحات في خصوصيتنا.
قصة التطرف لا تقف عند مساحة الدعاية السياسية عن فوز اليمين في إيطاليا، فهناك عالم ينظمه تطرف آخر يبدأ بدائرة إعلام مغلق يدعي الموضوعية.
وينتهي بأجندة تعميم الديمقراطية على شاكلة البيانات أو الإدانات لمن لا يلتقي مع المثلية على سبيل المثال لا الحصر، وفي المقلب الآخر هناك “أمريكا أولا” أو “روسيا أولا”.. لا فرق هنا طالما أن النظام الدولي أصبح رقيبا على القيم بدل أن يكون توازن مصالح.
هذا العالم الذي يتغنى بالديمقراطية لكنه لا يتحمل طيفا من القيم، وفضاء من الاحتمالات الإنسانية سيصل إلى مواجهة تسحق المجتمعات المهمشة بالدرجة الأولى.
ثم يحاول إدارة الأزمة بسلاسل من القيم التي تبدو وكأنها حبل زينة في عيد منسي، فعندما نشتاق إلى حلم قديم فلأن صورتنا كأرقام لم تعد تحمينا.
ولأننا أيضا نسمع الخطاب الشعبوي في الغرب والتحريضي في الشرق، ثم ننكفئ نحو حلم بقيم لا تعني “تعميم الليبرالية” أو “الشوفينية” أو غيرها من الاتجاهات التي كسرت الشغف في داخلنا.
عشنا في سوريا حربا كانت بأحد صورها تصادما بين أشكال التطرف، فمن “داعش” إلى “النصرة” إلى غيرها من الأسماء التي تسبح في الزمن القديم.
هناك صور أخرى لسياسات ترانا أرقاما ضمن طوائف وأثنيات، وهي وضعتنا ضمن “سلسلة القيم” التي ترى الشرق “أقليات” وتبحث عنه في أشكال التنمية التي تستند إلى قيم ربما لا تلامس فينا سوى الغرابة.
كل حربنا بدأت ولم تنتهِ مع صراع نظام دولي من القيم التي تسرق طاقتنا على رسم مستقبل نعرف فيه أنفسنا برؤى تعيد مسألة “الرقم” إلى شكله الأنسب.
وتتركنا نتحرر من أي تطرف لأننا في النهاية لسنا احتمالا في علم الإحصاء، بل نحن قفزات متتالية في تاريخ طويل وفي مستقبل يكره التطرف.