هاشتاغ سوريا_ميسون حداد
طالعتني اليوم صورة لواحدة من سيارات الأمم المتحدة في دمشق، تقف ضمن “طابور” سيارات على دور البنزين.
تُرى هل سيشعر “الأجانب” ولو بتفصيلٍ بسيط من أحد تفاصيل الجهاد اليومي المُضني للمواطن السوري؟
لم أستطع أن أتبيّن إن كان سائق السيارة أجنبياً أو مواطناً سورياً.. تمنّيت في سري أن يكونَ غريباً..
ولكني رجّحت كفّة أن يكون سوريّاً.. وبقيت أفكاري في كرّ وفر.. لمَ هذا الإصرار على الفكرة؟
هل هو مخزون الذاكرة القريب والبعيد الذي لم نعتد فيه أن يشارك أي مسؤول، جماهير المواطنين في السعي المضني وراء أصغر التفاصيل اليومية والتي تُعتبر في البلدان التي تعي قيمة الإنسان، الحد الأدنى من الحقوق المكتسبة بعيداً عن الروتين اليومي.. بينما عندنا باتت تشكل أقصى الطموح؟!
عدت لسائق سيارة ال “يو إن”.. هل هو “شوفير البيك”؟
بالطبع.. ليس هو “البيك”.. هذه ثقافتنا حول كل “بيك”..
“البيك” لديه ما هو أهم وأبعد.. هو غير معني بعجقة الطوابير.. هو يأخذ القرارات للناس كي تقف على الطوابير.. أو بتعبير أدق يرتجل القرارات..
تُرى.. هل خطر ببال أي “بيك” يوماً أن ينزل إلى الشارع ويختبر بنفسه، عملياً، تنفيذ القرارات التي يسنها لعامة الشعب؟؟
تعالوا نتخيل.. المسؤولون ملزمون شخصياً “وليس خدمهم” بتأمين الرز والسكر والخبز والمحروقات لبيوتهم عبر البطاقة الذكية!
ملزمون بالاهتمام وملاحقة كافة التفاصيل اليومية التي تستهلك المواطن من كافة الجهات!!
ألا يعود هذا الإجراء الحُلم بنتائج إيجابية؟
إنّ من يعيش التفاصيل يشعر بالبعد العملي للقرارات، وثمة فارق كبير بين الزيارات الإعلامية الميدانية التي يقوم بها المعنيون، على ضرورتها، وبين امتهان الصبر في تحصيل أدنى مقومات العيش.
ربما إذا اضطر مسؤول إلى الوقوف 12 ساعة على دور الكازية، أقول ربما، ليخبره العامل بعد هذا الانتظار أن البنزين قد فرغ.
عندها، ربما أيضاً، سيستنبط حلولاً إبداعية واقعية للتخفيف من هذا الذل اليومي بحسب الإمكانات المتاحة.
تُرى هل يضّطر حينها لاستخدام وسائط النقل العامة؟! ربما تكون هذه فرصة أيضاً ليختبر ماراتون المواطنين في الركض والقفز وراء الباصات مع خبرة عالية بحالة الحشر اللا “كوروني”.
وقس على ذلك، متابعة وانتظار الرسائل النصية لأدوار تموين الرز والسكر والوقوف على الأفران للحصول على مخصصات الخبز اليومية.. وما الصورة المبكية التي انتشرت البارحة على وسائل التواصل لدور المواطنين على مخبز المزة إلا وجه يسير من أوجه المعاناة الطويلة.
دعوة إلى مسؤولينا في الحكومة.. كونوا شجعاناً كما يليق بعراقة السوريين وانزلوا بين الناس لمدة أسبوع واحد.. استغنوا عن مميزاتكم الكثيرة لأسبوع واحد فقط.. عيشوا التفاصيل كعامة الشعب بكل حيثياتها.. اختبروا تنفيذ قراراتكم بأنفسكم.. ثم عودوا إلى مكاتبكم.. لاستنباط حلول أكثر واقعية.
عندما التهمت الحرائق قلوب السوريين وأرواحهم قبل أشجارهم، نزل الرئيس الأسد بعد الكارثة، فوراً إلى أرض الواقع، وفي زيارته لإحدى هذه القرى، وهي قرية بسوت قال للأهالي إن قلوب السوريين جميعاً معهم “لكننا هنا لندعمكم بالمحنة التي مررتم بها” وأوضح أن زيارته لمعرفة الوضع على أرض الواقع لمعظم هذه القرى من أجل دعمها.
هي أرض الواقع، فيها الآلام والآمال، ومنها تستنبط الحلول، فيها تلامس المصاعب عن كثب، بواقعية عملية، ومنها تبزغ مشاريع حلول قابلة للتطبيق.