أصدرت وزارة الإعلام السودانية بياناً اتهمت فيه المؤسسة العسكرية بتدبير “انقلاب عسكري” على رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، وقالت إن الجيش اقتاده لمكان مجهول بعد رفضه إصدار بيان يؤيد فيه الانقلاب.
ونقلت “رويترز” عن وزارة الإعلام أيضاً أن حمدوك وجه رسالة من مقر إقامته الجبرية يطلب فيها من السودانيين “التمسك بالسلمية واحتلال الشوارع للدفاع عن ثورتهم”.
وأضافت أن الجيش السوداني وقوات الدعم السريع شبه العسكرية ينتشران في شوارع العاصمة الخرطوم، ويقيدان حركة المدنيين، في الوقت الذي يخرج فيه محتجون يحملون علم البلاد ويحرقون إطارات في أنحاء مختلفة من المدينة.
كان التوتر المتصاعد بين شريكي الحكم في المرحلة الانتقالية في السودان قد وصل إلى مرحلة خطيرة من التصعيد، وشهدت العاصمة الخرطوم منذ صباح أمس الأحد تحركات وصفها وزير في حكومة حمدوك بأنها “تخطيط لانقلاب”.
وفجر اليوم الاثنين 25 تشرين الأول، قالت مصادر سياسية إن جنودا اعتقلوا حمدوك ومعظم أعضاء مجلس الوزراء السوداني وعددا كبيرا من قادة الأحزاب المناصرة للحكومة فيما يبدو أنه انقلاب عسكري بعد توترات دامت أسابيع بين الجيش والحكومة المدنية.
وشملت الاعتقالات عدداً من الوزراء وقيادات في أحزاب “البعث العربي الاشتراكي” و”التجمع الاتحادي” و”المؤتمر السوداني”، ومنهم محمد الفكي سليمان أحد الأعضاء المدنيين في مجلس السيادة.
وأفادت مصادر سياسية، بأن عبدالفتاح البرهان، رئيس مجلس السيادة في السودان، سيُدلي ببيان في وقت لاحق من اليوم، حول مستجدات الأوضاع في البلاد، دون مزيد من التفاصيل.
وتختلف هذه الأحداث عن محاولة انقلابية أخرى قبل نحو شهر واحد فقط، حين حاصرت مجموعات من الجيش مقر القيادة وسعت لبث بيان الانقلاب، لكن تلك المحاولة في 21 أيلول فشلت قبل أن تبدأ.
وخرج الآلاف من السودانيين، صباح اليوم الإثنين، إلى الشوارع مع انتشار أنباء الانقلاب العسكري، تزامناً مع وصول تعزيزات عسكرية إلى الخرطوم، وبدء إغلاق بعض الشوارع في وجه المتظاهرين وقطع خدمات الإنترنت والكهرباء عن معظم أجزاء العاصمة السودانية.
كان خالد عمر يوسف، وزير شؤون مجلس الوزراء، قد كتب على صفحته في فيسبوك أمس الأحد عن وجود “محاولة خنق الخرطوم بإغلاق الجسور والطرق، تمت بمشاركة بعض عناصر الأجهزة الأمنية” ضمن “مخطط لصناعة الفوضى وخنق الحكومة الانتقالية”.
وأوضح أن “مخطط خنق الخرطوم صباح الأحد بإغلاق الطرق والجسور ومحاولات صناعة الفوضى تم لإفساد انتصار ملحمة الخميس ومطالبها (بالحكم المدني)”. وأضاف: “تم بمشاركة بعض عناصر الأجهزة الأمنية؛ لذا لابد أن تخضع هذه للأجهزة للسلطة المدنية”.
وكانت الشرطة السودانية قد استخدمت الغاز المسيل للدموع أمس الأحد لتفريق مئات المتظاهرين المحتشدين بشارع النيل، وجسر “الملك نمر” الرابط بين الخرطوم ومدينة الخرطوم بحري (شمال)، عقب إغلاق معتصمين الشارع والجسر الكائنين في محيط القصر الرئاسي بالعاصمة الخرطوم للمطالبة بحل الحكومة الانتقالية برئاسة عبد الله حمدوك.
واعتبر يوسف ما يحدث بأنه إعداد لـ”انقلاب”، قائلاً إن “الانقلاب الجاري شواهده كثيرة ومستمرة وواضحة آخرها محاولة صنع حرية وتغيير أخرى (قائد الائتلاف الحاكم بشقه المدني)، والإيهام بوجود أزمة دستورية (.. ) من أحداث مفتعلة لخنق الحكومة والانتقال المدني الديمقراطي”.
ومنذ 16تشرين الأول الجاري، يواصل أنصار تيار “الميثاق الوطني” (من مكونات قوى التغيير والحرية)، اعتصاماً مفتوحاً أمام القصر الرئاسي بالخرطوم، للمطالبة بحل الحكومة الانتقالية، وتوسيع قاعدة المشاركة السياسية.
وخلال اشتداد الأزمة السياسية بين المكونين العسكري والمدني داخل الحكومة الانتقالية، توعد نائب رئيس مجلس السيادة الفريق محمد حمدان دقلو “حميدتي” المكون المدني بـ”الشارع”.
وقال بنبرة اتسمت بالغضب والتحدي أمام حشد من قوات الدعم السريع التي يقودها: “لن يهددوننا بالشارع .. إذا كان لديهم شارع فنحن لدينا أيضاً والرهيفة تنقد”. والجملة الأخيرة هي مثل شعبي يعني أن البقاء للأقوى والأصلب، بحسب تقرير لهيئة الإذاعة البريطانية BBC.
ووصلت الأمور اليوم إلى الذروة، حيث تواصل قوات عسكرية عمليات الاعتقال بحق القيادات المدنية وإغلاق محطات إذاعية رسمية واعتقال قيادات التليفزيون السوداني الموالية للحكم المدني. وتواصل قوات الجيش والدعم السريع إغلاق الشوارع الرئيسية والجسور أمام المتظاهرين، الذين تزداد أعدادهم بشكل واضح مع مرور الوقت.
وبحسب “رويترز”: لا أحد يعرف مكان رئيس الحكومة ولا الوزراء والشخصيات الأخرى التي تم اعتقالها، بينما تتواصل مطالبات قيادات وهيئات مدنية للشعب بالإضراب العام والعصيان المدني، ومنها “تجمع المهنيين السودانيين”، لقطع الطريق على ما يصفونه بـ”الانقلاب العسكري” على المرحلة الانتقالية.
أما عن ردود الفعل الدولية، فقد أعربت الولايات المتحدة عن “قلقها العميق” إزاء التقارير التي تتحدث عن استيلاء عسكري على الحكومة الانتقالية، وتقول إنه “مخالف للإعلان الدستوري”، كما جاء في بيان أصدره جيفري فيلتمان، المبعوث الأمريكي للقرن الأفريقي.
كما أصدر الاتحاد الأوروبي بياناً قال فيه: “نتابع بقلق بالغ الأحداث الجارية في السودان وندعو لإعادة العملية الانتقالية إلى مسارها الصحيح”، بحسب ممثل السياسة الخارجية للاتحاد.