هاشتاغ-نضال الخضري
كل القيم التي حملها فيلم “باربي” لا تصل لمساحة التفكير بأننا في عالم متقلب، فالصورة المفعمة بالألوان لدمية باربي ضمن عالم “زهري” يعبر عن “كمال” التصور الأمريكي؛ تبقى أبعد من تخيل الطفولة في وجه “شقراء” ممشوقة القامة ومبتسمة، بينما صديقها “كين” يقارب معايير هوليود الجمالية، فـ”باربي” كدمية وفيلم لم تصل يوما لعالم السحر والخيال الذي يلفنا، فنحن ورثة ألف ليلة وليلة بخيالها الملهم الذي لا يتناسب مع الصورة الوردية لعالم كامل السعادة غرضه إبهار الأطفال، وفي سينما تشكيل لغرائبية متصلة مع رواج دولي لـ”التحول الجنسي” والمثلية أو حتى ضياع الهوية الجنسية.
هناك مقاربة مفروضة اليوم بين قيم مستحدثة وعالم ينقلب أمامنا، وفيلم باربي يجسد تناقض الخيال بين عالمين: فانتازيا ما شكلته “ألف ليلة وليلة” من سحر الشرق، وبوضوح “وقح” لرغبات الجنس، وبشخصية شهرزاد القادرة على كبح نوايا شهريار بالحيلة، والعالم الثاني قدمته “باربي” بفنتازيا “سائلة” حسب تعبير زيجمونت باومان، حيث النجومية تصبح بديلا لرمزية أي شيء ابتداء من “الملحمية” التي اعتدناها في الروايات التاريخية، وانتهاء بقواعد الأنوثة والذكورة التي لم تنهار بفعل قوانين الجندرة، بل بالاعتماد القسري على تشخيص نجوم بلا جنس.
نضطر أحيانا لعشق “شهريار” الذي بقي رمزا للاضطهاد والقسوة، لكنه أمام عالم يبني ثقافة غايتها الغرائبية فقط فإننا نشعر بقيمة البقاء في عالم لا ينكر على الأخرين قيمهم، فهناك زيف يشبه البروباغندا الخاصة بالثورات الملونة، وهو بالفعل “ملون” كما في فيلم باربي الذي يختفي منه اللون الأبيض وجمالية الماء، وحتى المشاعر بالحب والرغبة، فمساحة باربي الوهمية هي “حياة” يُفترض أن نحياها أو نقبلها مع غصة تجعلنا ندرك أن صراعاتنا منتهية.
كل الخيال الجذاب في الفيلم سيبدو كخداع عندما نتأمل خروج “باربي” من عالمها الوردي، وتعيد طرح السيناريو الثقافي الممجوج لاحترام الآخر مهما كانت ميوله، فالفيلم ينهي حلم الأطفال في قفزة واحدة نحو عالم الراشدين، والنجمة الأكثر التصاقا ببراءة “الصغار” تنقل لنا حياة أخرى فيها “مثالية” فالجمال، الثروة، الشهرة، تبقى ولكن في عالم من قيم جديدة.
مسيرة نضج تريد باربي وضعها أمامنا بشكل مختلف، لأنه “نضج” يكسر المألوف أو يغرق الموروث الثقافي بشكل مفاجئ، وتبقى حالة الإبهار “الضرورة” الثقافية التي تحاصرنا في محاولتنا لفهم ما يحيط بنا أو حتى شغفنا بالتراث الذي نمتلكه، فبالنسبة لهوليود الفيلم لا يحمل جديدا على مستوى الإبهار الدائم، ولكن خارج عالم الاستديوهات هناك شكل افتراضي يفرض ثقافة على أجيال تتحول في عالمنا المتغير، فهناك إعادة تكوين لعالم يغير منحى التصورات بشكل غارق بالألوان والخيال، ويترك داخلنا صراعا يمس كل ما يشكلنا، ويغمرنا باللون الغريب عن عيوننا، فنحن لسنا “ثقافة المألوف” أو المنقول، بل ثقافة “البقاء” ومحاولة الاستمرار دون اللون الزهري الذي يتم رسمه اليوم مع ألوان مختلفة للتعبير عن التنوع.