هاشتاغ _ صدام حسين
يمكن لأي سوري تقريباً أن يروي حكاية «محمود الفوال»، الذي رهن عدة شعرات من شاربه لتاجر أغنام، بهدف استدانة عدة ليرات ذهبية.
يعرف كل سوري أيضاً قصة «نصار ابن عريبي» البطل الشعبي المتخيل، وقصة نصف الزبدية الصيني.
ويعرف السوريون والعرب من يكون «المخرز»، و«الإدعشري» الذي سرق الذهب من بيت جاره.
السبب في ذلك، هو أن المخرج السوري بسام الملا نقل هذه القصص من الورق إلى حكايا شعبية كتلك التي ترويها لنا جداتنا، وقدمها بأسلوب تلفزيوني شيق على شاكلة مسلسلات رمضانية.
الحكواتي
توّلى بسام الملّا دور الحكواتي ودخل إلى كل بيت سوري وعربي، فحُفظت حكاياته في وجدان الجمهور، وأصبحت مسلسلاته بشخوصها وأحداثها قصصاً مسلّية تتوارثها الأجيال.
فصنع مجموعة من القصص الشعبية برفقة الفنان عباس النوري بدءاً من «محمود الفوال»، مروراً بـ تاجر الماشية «المعلم عمر»، وصولاً إلى حلاق حارة الضبع «أبو عصام».
ومع الفنان بسام كوسا روى الملا حكاية البطل الشعبي الوهمي «نصار ابن عريبي»، و«قصة المخرز» الشرير، وانتهاءاً بـ «الإدعشري» أشهر شخصيات الدراما الشامية على الإطلاق.
البداية في الإعلام
لم يبدأ بسام الملا حياته أكاديمياً في المعاهد والجامعات، بل انطلق مباشرة من مواقع التصوير وبنى تجربته الإخراجية من الأرض.
شخص عصامي ملتزم، ابن أسرة فقيرة كثيرة الأولاد، بدأ حياته المهنية من التلفزيون السوري مخرجاً للبرامج الثقافية مع الإعلامي السوري مروان صوّاف، وأخرج للإعلامي توفيق حلاق برنامجه الأشهر في سوريا «السالب والموجب»، كما عمل مع المعلق الرياضي عدنان بوظو برنامج «الثلاثاء الرياضي»، وحقق مع الإعلاميين الثلاثة نجاحات شعبية كبيرة داخل سورية.
رحلة التلفزيون
في الدراما التلفزيونية، تتلمذ بسام الملّا على يد شيخ الكار المخرج السوري الراحل علاء الدين كوكش.
التوقيع الدرامي الأول لبسام الملا كان مسلسل حكايات الأطفال «كان يا ما كان»، الذي لعب فيه على وتر الخيال وقدم قصصاً أسطورية ذات بعد قيمي وأخلاقي، مستخدماً فن الخدع البصرية قبل دخول الكمبيوتر في عالم الإخراج التلفزيوني.
وفي مسلسل «الخشخاش» الذي يتحدث عن المخدرات، تعامل الملّا مع أهم النجوم على الساحة السورية مجتمعين في مسلسل واحد، وحقّق نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً كمخرج في بدايات حياته المهنية.
وحقق نجاحاً آخر لا يقل أهمية في مسلسل «العبابيد» التاريخي الذي تناول سيرة زنوبيا ملكة تدمر.
الدراما الشامية
رغم نجاحاته السابقة، لكن اسم بسام الملا أصبح مطروحاً مع مسلسل «أيام شامية» الذي أنتجه التلفزيون السوري عام 1993، وقدّم فيه صورة الحارة الدمشقية التي يعتبر أهلها الشارب رمزاً للرجولة.
نجح المسلسل بشكل منقطع النظير، نجاحا غير متوقع فاجأ حتى القائمين على هذا العمل.
وكرّت بعده سبحة الأعمال الشامية، فقدم الملا في «الخوالي» قصة البطل الشعبي المتخيل «نصّار»، وروى فيه رحلة الحج إلى مكة عبر الشام بأسلوب شيق، وفي «ليالي الصالحية» قدّم الملا قصة الصراع بين أبناء العمومة حول خابية من الذهب متعرضاً لقضية الأمانة.
ضربة العمر
المسلسل الأشهر على الإطلاق في مسيرة بسام الملا والذي أطلقه بسرعة الصاروخ في الساحة العربية هو «باب الحارة»، الذي كان ضربة العمر ونقطة تحول كبيرة في مسيرة المخرج السوري.
وأصبح الملّا بعد هذا المسلسل الحصان الرابح لدى مجموعة «إم بي سي» السعودية، حيث درّ عليها مبالغ ضخمة من الإعلانات، وأصبح المسلسل رقم واحد عربياً وحصد جماهيرية غير مسبوقة لم يحققها أي مسلسل تلفزيوني سوري.
أصبحت شخصيات باب الحارة معروفة في كل بيت عربي من المحيط إلى الخليج، وصار السوريون داخل البلاد وخارجها يبثّون أغاني مسلسلاته ويطلقون أسمائها على مشاريعهم التجارية.
خلال ثمانية أجزاء أشعل الملا الحنين والنوستالجيا إلى الحارة الدمشقية العريقة، في صورة شعبية متخيلة، لا تعبّر بالضرورة عن دمشق وطبيعة الوضع الاجتماعي والسياسي في تلك الفترة.
ولكن رغم البذخ الإنتاجي على مسلسله الأخير «سوق الحرير» والعمل على صعيد الصورة والتوثيق الزماني، لم يحقق المسلسل النجاح المطلوب، ربما لأن الملا حاول أن يكون واقعياً وخرج من أسلوبه الفانتازي الذي أحبه الناس، فقدم مسلسلاً لم يحقق نسب المشاهدة المرجوة.
اتهامات وانتقادات
نجاح الملا المذهل ومنقطع النظير أصبح موضع دراسة من قبل صناع الدراما لمعرفة أسبابه، ووجه الكثيرون سهام انتقاداتهم للملا، بعضهم من باب الغيرة والحسد وعداوة الكار، وآخرون من باب الحرص على صنعة الدراما في سورية.
وجه البعض إلى الملا اتهامات خطيرة منها: تزوير وتزييف وتحريف التاريخ، وترسيخ الذكورية والقيم الرجعية وسُلطة الرجل المطلقة في مسلسلاته، والترويج لثلة من «القبضايات»، وأصحاب العنتريات الوهمية من «الأعضاوات» على أنهم كانوا نخبة المجتمع الدمشقي، وإدراج مصطلحات جديدة منها «العوايني» أي المخبر، وترسيخ ثقافة «الشبرية والشروال» في الوعي العربي كصورة متخيلة عن المجتمع الدمشقي.
تصدير التخلّف
فتح الكثير من النقاد النار على بسام الملا على اعتبار أنه عمل في مسلسلاته على إعادة تصنيع وتصدير التخلّف والصورة النمطية المشوّهة عن المرأة السورية إلى العالم العربي.
وانتقد البعض انجرار الملا فيما بعد وراء الربح المادي بعد أن حققت مسلسلاته إيرادات ضخمة وإنشائه شركة «ميسلون» للإنتاج الفني.
لكن بسام الملّا وهو السوري الكردي الأصيل، يرى في حارته المتخيلة التي بناها بنفسه، تجسيداً لقيم المروءة التي كادت تنتهي في المجتمع العربي، فصنع هوية شعبية سورية يرغب بنقلها للعالم العربي.
وعندما حاول تحميل مسلسلاته بالرسائل السياسية انكفأ الجمهور عن مشاهدتها، وكانت الضربة القاضية بعد أن انتقلت ملكية حارة الضبع إلى المنتج محمد «قبنض»، فتحول مسلسل «باب الحارة» إلى مهزلة كوميدية، ونموذجاً سيء الصيت، يتم ذكره كنموذج سيء على سبيل السخرية والتندر.
المسلسل الشعبي
«الآغا» كما يلقب في الوسط الفني، هو أول من قتل أبطاله في المسلسلات وأحياهم أحياناً.
فأعاد شخصية «أبو عصام» بعد موت صاحبها وعاشت مع الجمهور من جديد دون مبررات درامية منطقية، وقتل «العكيد أبو شهاب» عندما انتهت مهمته لأسباب لا تتعلق بالدراما، قتله دون أن يرف له جفن.
عرف «الآغا» كيف يحفر حكاياته في وجدان المشاهد السوري والعربي، ومن بين البطولات الخلبية والمعارك الوهمية مع الفرنسيين والعثمانيين، قدّم أفضل نموذج عن المسلسل الشعبي في سورية والعالم العربي.
احترف الملا في صناعة البطل الشعبي ونقل تفاصيل الحارة الدمشقية التي يتخيلها إلى كل بيت عربي، هذه الصورة ولو كانت بعيدة عن الواقع وحقائق التاريخ إلا أنها تركت أثراً طيباً ومحبباً في نفوس ووجدان الجمهور السوري والعربي.
يعرف من أين تؤكل الكتف
صنع الآغا هوية فنية مميزة واحتل من خلالها سوق الفضائيات والميديا، محققاً أكبر نسب المشاهدة على يوتيوب حتى الآن.
يرى البعض أن الملّا ظاهرة سلبية في الدراما السورية، ولكنه مخرج يعرف من أين تؤكل الكتف ويعرف جيداً كيف يحوّل مسلسله إلى تجارة جماهيرية رابحة.
فهم بسام الملّا، الذي رحل عن عالمنا، جمهوره جيداً، وأدرك مبكراً أن التلفزيون وسيلة للترفيه والتسلية، وأن الرسائل السياسية الكبيرة يمكن إيصالها في نشرات الأخبار وليس عبر المسلسلات، وربما يكون الملّا بذلك أحد أهم المخرجين الذين مروا في تاريخ الدراما السورية.