الأربعاء, أكتوبر 9, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةأخباربعد أن حددته قبل عقود.. هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

بعد أن حددته قبل عقود.. هل نشهد نهاية المجال الحيوي لإسرائيل؟

نشر موقع “الجزيرة.نت” مقالة بتاريخ  24 تموز/يوليو، أشار كاتبها إلى أنه مع المسيرة التي أطلقها الحوثيون مؤخرا لتضرب قلب تل أبيب، وعجز الدفاع الجوي الإسرائيلي عن رصدها، ومن قبلها صواريخ إيران التي وصلت إلى مناطق حيوية في “إسرائيل”، لم يعد بوسع تل أبيب الحديث بثقة عن “مجال حيوي” لها كانت قد حددته قبل عقود، وذلك بعد أن صار بوسع قوى مناوئة لها تهديدها في عقر دارها.

نظرية الحدود الآمنة

قبل هذه الأحداث كانت “إسرائيل” غير مكتفية بتطبيق “نظرية الحدود الآمنة” التي بمقتضاها خططت لخوض حروبها خارج أرض أقامت عليها دولتها عام 1948، بل حددت مجالا حيويا، يتعدى ما تسمى “دول الطوق العربية” أو “دول المواجهة” ليشمل العالم العربي كله مضافا إليه إيران، وتركيا، وباكستان، ودول أواسط آسيا شمالا وشرقا، وإثيوبيا وزيمبابوي جنوبا وغربا حتى المحيط الأطلسي.

وتقسم “إسرائيل” هذه المساحة الجغرافية الشاسعة، التي تعتبرها مجالا حيويا لها، إلى ثلاث دوائر، هي: الدائرة التقليدية، التي تشمل دول المواجهة. ودائرة ثانية هي الدول العربية التي تساند مواجهي “إسرائيل” بالمال والتأييد السياسي والإعلامي في الدوائر الدولية، وبوسعها أن تصيب خطوط مواصلات “إسرائيل” وإمدادها في مقتل.

وتضم الثالثة الدول الخارجية التي تؤثر مكانتها ومواقفها السياسية على الأمن القومي الإسرائيلي، وتقع خارج العالم العربي.

وحرصت تل أبيب على امتلاك أسلحة تغطي هذه الدوائر الجغرافية المتسعة، عبارة عن طائرات وصواريخ وقاذفات سريعة، تستخدمها في الحروب والردع معا.

وتبني “إسرائيل” نظرية أمنها هذه على عدة اعتبارات، هي ضيق رقعتها الجغرافية، وقلة عدد سكانها، وبُعد المسافة بينها وبين أصدقائها، ووجودها وسط محيط شعبي يرفض وجودها، حتى لو أبرمت مع بعض الحكومات العربية اتفاقيات أو معاهدات، فضلا عن هشاشة اقتصادها الذي يعتمد على المساعدات.

وفي ظل هذا الإدراك تتصرف “إسرائيل” حيال دوائر مجالها الحيوي وفق سياسة محددة، تتمثل في منع التقارب والتنسيق بين الدول التي تشكل هذه الدوائر، والعمل بدأب وإصرار على قيام انشقاق داخلها، ومنع حدوث تماس بين الدائرة الإسلامية والدائرة الخليجية والعربية، وإقامة علاقات وثيقة مع دول منابع النيل للضغط على مصر والسودان، وهو ما ظهر جليا في مشكلة “سد النهضة” الإثيوبي.

” إسرائيل الكبرى “

لكن تصور “إسرائيل” لمجالها الحيوي لا يقف عند حد الاعتبارات السابقة، بل إنه ينبع من أيديولوجية، تستند إلى عقيدة تُبشر بإسرائيل الكبرى و”أرض الميعاد”.

وهذا الاعتقاد يفتح شهية “إسرائيل” للاستيلاء على الحد الأقصى من أرض الغير، دون توقف وأن تبذل في سبيل ذلك كل ما تملك من قوة مادية ومعنوية ورمزية.

وتعكس نظرية المجال الحيوي الإسرائيلي مفارقة بين ضرورتين: الحدود الجغرافية التي يجب أن تتخذها الدولة، أو نواتها، والأيديولوجية التي لا تؤمن بحدود ثابتة، ولا تقر بها، وفق ما ورد في أطروحة ماجستير للباحثة الفلسطينية آمنة سرحان، بعنوان “المجال الحيوي للأمن القومي الإسرائيلي في الدول العربية المجاورة”.

ومن ثم تواصل تل أبيب الاستيطان، وتشجيع هجرة اليهود من مختلف دول العالم إلى “إسرائيل”، وتحرص دوما على القيام بضربات استباقية ضد أي قوة تظهر في محيطها، وأن تمتلك القدرة على خوض حروب متكررة، واجتياح أرض عربية، مثلما جرى في حرب حزيران/يونيو 1967، وغزو لبنان 1982.

وبعيد قيامها 1948، صار المجال الحيوي جزءا من الأمن القومي لإسرائيل، التي بررت هذا بأنها تعاني من ضيق عمقها الجغرافي، وليست لها موانع طبيعية قوية، وتحاط بالأعداء.

من هذا المنطلق بقيت الجغرافيا السياسية لإسرائيل في حراك دائم، وصارت حدودها مرنة، تتمدد في كل الاتجاهات، كلما سنحت لها الفرص، أو استطاعت إلى ذلك سبيلا. وبالطبع فإن تحقيق هذا الهدف الإسرائيلي البعيد، يتطلب تفريغ الأرض من سكانها، وإحلال المهاجرين اليهود مكانهم.

نزعة عدوانية

وتفرض نظرية المجال الحيوي لإسرائيل عليها نزعة عدوانية بالضرورة، حيث تقوم على فرضية أساسية وهي الحيلولة دون بروز أية قوة عربية في المنطقة وضربها في مهدها، كما حدث بضرب المفاعل النووي العراقي، وضرب الجيشين: المصري والسوري في حرب حزيران/يونيو 1967، التي اتجهت “إسرائيل” بعدها سريعا إلى ذروة قوتها، ثم بدأت تتراجع بعد حرب الكرامة ضد المقاومة الفلسطينية 1970، ثم حرب 1973.

ورغم الطموح النظري لنظرية المجال الحيوي لإسرائيل فإنها لم تتمكن من تطبيقها، كما أرادت، فقد اضطرت إلى إعادة سيناء إلى مصر بمقتضى اتفاقية سلام أبرمت عام 1979، وكانت من النتائج التي ترتبت على الانتصار العربي في حرب تشرين الأول/أكتوبر 1973، كما انسحبت من أرض أردنية بمقتضى اتفاق وادي عربة 1994، وانسحبت كذلك من طرف واحد من جنوب لبنان، بل هربت، عام 2000، ولم تطق البقاء في غزة التي انتهت إلى مستقنع لقوات الجيش الإسرائيلي، وانسحبت من مدن في الضفة الغربية بمقتضى اتفاق أوسلو مع الفلسطينيين 1993.

وفيما كسر امتلاك الدول العربية صواريخ قادرة على الوصول إلى عمق أرض “إسرائيل”، نظرية الحدود الآمنة، امتلكت قوى مسلحة غير نظامية، متمثلة أساسا في “حزب الله” اللبناني وحركة “حماس” في غزة، صواريخ تغطي جغرافية “إسرائيل” كاملة، وتضع حدودا لمجالها الحيوي، سواء على مستوى الفكرة، أو محاولة تطبيقها في الواقع المعيش.

وجاءت عملية “طوفان الأقصى” لتدق المسمار الأخير في نعش نظرية “المجال الحيوي” لإٍسرائيل، فبعد أن كان الجيش الإسرائيلي يحارب خارج الأرض التي أُعلنت عليها الدولة عام 1948، وبعد أن امتلكت الجيوش التي تطوق الدولة العبرية، ثم مختلف فصائل المقاومة، صواريخ تغطي كل مدن إسرائيل وأماكنها الحيوية، جاء الدور على اقتحام هذه الأرض، ولأول مرة، بهذا التكثيف والتأثير والقدرة على الإيلام، ليضغط أكثر على جغرافية “إسرائيل”، الصغيرة أساسا.

وبعد أن كانت “إسرائيل” تفكر في مجال حيوي، من خلال الحرب والتآمر تارة والتطبيع أخرى، صار لزاما عليها الآن، أن تفكر في كيفية الحفاظ على أرض اقتطعتها من الدولة الفلسطينية التاريخية، وأقامت عليها دولتها، لاسيما مع وجود خطط لدى “حزب الله” أيضا لاقتحام الجليل الأعلى ومزارع شبعا، علاوة على سابقة تاريخية في “طوفان الأقصى” ليس هناك ما يمنع تكرارها، ولو بعد سنوات طويلة.

مقالات ذات صلة