هاشتاغ_رحاب الإبراهيم
وجد نفسه مضطراً للعمل في تصليح “بوابير” الكاز تحت ضغط حاجة الناس، الذين اصطفوا طوابير أمام محله في منطقة باب الحديد. في ظل نقص شديد بمادة الغاز المنزلي وعدم مقدرتهم على شرائها بأسعار السوق السوداء. وفق ما قاله الحرفي يحيى نحاس لـ”هاشتاغ”.
يعمل يحي في حرفة النحاس منذ عقود، ولكنه عمل بتصليح “بوابير الكاز” خدمة للناس وكنوع من التسلية في ظل قلة الشغل لمهنة النحاس كما أضاف.
مؤكداً أنه يتقاضى أجور رمزية من المواطنين، وأنه يصلح يومياً ما بين خمسة إلى ستة “بوابير” لمواطنين قادمين من الأرياف ومن أحياء حلب الشعبية، وأحياناً من مناطق في مدينة حلب. يصلحون “البوابير” في محاولة منهم لتدبر شؤون بيتهم مع الغلاء المتوحش وقلة الحيلة، وتأخر وصول رسائل البطاقة الذكية لعدة اشهر.
ومن كثرة طالبي الإصلاح قال يحي إنه عين عاملاً لإصلاح “بوابير الكاز” ولكي يتفرغ لعمله وتلبية طلبات صناعة الأواني النحاسية.
عند تواجدنا في المحل دخل الستيني أبو محمد كما عرف عن نفسه يحمل “بابوره” القديم بغية إصلاحه متكبداً عناء الطريق من أحد أحياء حلب الشعبية البعيدة إلى منطقة باب الحديد.
قال لـ”هاشتاغ” لا قدرة لي على شراء الغاز بمئة ألف ليرة، لذا اضطررت إلى إخراج هذا “البابور” من السقيفة وإصلاحه عله يحل مشكلتنا بانقطاع الغاز.
الغاز موجود في السوق الحر بأسعار مضاعفة، ولكن هنالك نقص كبير في التوزيع بعد الحرب الأوكرانية، وتأخر في وصول رسائل البطاقة الذكية لأشهر.
وهذا ما أنعش مهنة بوابير الكاز، وظهر منها في أسواق مدينة حلب بوابير كبيرة الحجم، بالإضافة إلى البوابير التقليدية بلونها الأصفر، إضافة إلى تصنيع عبوات غاز صغيرة بأشكال وألوان مختلفة، وأخرى تعتمد على الكاز أو الكحول تسمى “سبيرتاية” حيث تبدو مع ألوانها الزاهية كأنها إكسسوار للزينة.
يتراوح سعر ” سبيرتاية” بـين 16500 إلى 18 ألف ليرة، بينما وصل سعر عبوات الكاز الكبيرة إلى 50 ألف ليرة، في حين بلغ سعر عبوة الغاز الصغير حسب جحمه بين 22 ألف إلى 25 ألف ليرة، بما يبدو استغلال واضح لحاجة المواطنين لهذه المنتجات..
نوع من “البتك”
ويعتقد التاجر رضوان السراج أن أسعار هذه المنتجات مرشحة إلى الزيادة وخاصة مع اقتراب رمضان، وبين أن الطلب كبير عليها، حيث يبيع من الأصناف التي تعمل على الغاز أو الكاز أو الكحول أكثر من عشر قطع يومياً.
كما يوجد طلب على عبوات الكاز الكبيرة مع اختلاف الغاية من استخدام كل منهما، فالعبوات ذات الحجم الكبير التي تعتمد في تعبئتها على الكاز أو المازوت تستخدم للطبخ وتسخين ماء بقصد الاستحمام، مع غياب الكهرباء شبه التام.
في حين يقول السراج إن زيادة الطلب على عبوات الغاز الصغيرة أو المعتمدة على الكاز أو الكحول “بتك” كما يسميها “الحلبيون” هي نوع من البرسيتج، الذي تتبعه بعض العائلات لشرب الأركيلة، أو عند الذهاب للتنزه في الحدائق أو المزارع.
وبين أن أسعارها ارتفعت فجأة وبقفز واحدة بحدود 5 آلاف ليرة، ثم استمر سعرها بالصعود أسبوعياً. وهنالك عائلات تشتري هذه الأدوات لعدم مقدرتها على شراء أسطوانة الغاز بأسعار مضاعفة، كما يضيف. مبيناً أن الغاز و المازوت والبنزين متوافر بكثرة لمن يرغب ولديه المال الكافي.
معتمد الغاز معن باغو الذي يعمل بكل ما يتعلق بمادة الغاز، من تصليح وتعبئة إلى بيع “الغازات” الصغيرة التي تعبأ بالكاز أو الغاز أو الكحول، قال لهاشتاغ: “إنه عاد إلى هذه المصلحة بعدما استبدلها لسنوات بالعمل في محل فلافل، ولكنه عاد إليها بعد أغلاق صنعة الفلافل لغلاء مكوناتها”.
الحاجة أم الاختراع
الشاب محمد رفعت “عامل في القطاع الخاص” يقول إنه اشترى غاز صغير أسوة بأصدقائه بغية استخدامه لإعداد الأركيلة، أو المشروبات الساخنة وعند زيارة الأصدقاء أو بعض أفراد العائلة وعند الخروج إلى الحدائق أو المتحلق صيفاً، وبين أن والدته تستخدمه للضرورة عندما ينقطع البيت من الغاز فجأة، دون التمكن من تأمين بديل.
في حين تقول الأربعينية أم يحيى إنها اشترت “بابور” كاز من الحجم الكبير، لأنه يمكن تعبئته بالكاز أو المازوت من أجل الطبخ واحتياجات البيت عموماً، رغم أن استخدامه في البيوت المغلقة ضمن المدينة غير محبذ، لكن للظروف أحكام، فهم لا يستطيعون شراء أسطوانة غاز بأسعار السوق السوداء، ويمكن تدبر أمورهم “ببوابير الكاز” حسب قولها، أما الغازات الصغيرة فتستخدم لإعداد المشروبات الساخنة، وأحيانا لقلي البيض فقط، وكما يقال الحاجة أم الاختراع.
بين التصنيع والاستيراد
الحرفي زكريا قال إن بوابير الكاز التقليدية المعروفة بلونها الأصفر لا تصنع محلياً، وإنما مستوردة منذ فترات طويلة وظروف الحرب أعادتها إلى الواجهة، مشيراً إلى أنه جرب تصنيعها محلياً في أوقات سابقة، لكنه تراجع عن هذه الخطوة بسبب عدم وجود معدات مناسبة لذلك، كما أن الطلب عليها كان قليل حتى كادت تصبح من التراثيات و”الانتيكا” قبل أن تعود الأزمة إلى إحيائها من جديد.
في حين بين التاجر رضوان السراج أن تصنيع عبوات الغاز والكاز الصغيرة يتم في أحد مصانع المدينة الصناعية في الشيخ نجار، وهي من تحدد أسعار هذه المنتجات التي يشترونها بالجملة، مبرراً الارتفاع في أسعارها إلى ارتفاع تكاليف الانتاج وخاصة الحديد.
حجم العمل كبير
الفوضى في تسعير عبوات الغاز والكاز الصغيرة ورفع أسعارها كل فترة لتقفز إلى أسعار مبالغ فيها، نقلناه إلى مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بحلب، ليؤكد ممدوح ميسر مدير التسعير أن أغلب المحلات التي تبيع الغاز ومستلزماته مرخصة أصولاً، لكن من يقوم بتعبئة الغاز يكون عبر شرائه اسطوانات الغاز من السوق السوداء وليس بموجب مخصصات تمنح له.
وبين أن اضطرار المواطنين إلى الرجوع إلى الأدوات القديمة أو تعبئة الغاز أو شراء الغازات الصغيرة عائد إلى نقص مادة الغاز المنزلي، مشدداً على أنه في حال قيام أي معتمد بأي مخالفة أو عند تقديم أي مواطن شكوى ينظم ضبط بحقه وقد تسحب الرخصة منه في حال تكرار المخالفة والمتاجرة بمادة الغاز.
وعن أسباب ارتفاع أسعار عبوات الغاز والكاز بأشكالها الجديدة أشار إلى أن ذلك عائد إلى تكاليف الانتاج من المعامل، وبالتالي عند وجود مبالغات سعرية تطالب دوريات الرقابة التموينية من أصحاب المعامل بيان بالتكلفة مع إبراز الفواتير بغية معرفة تكاليف الانتاج بدقة، وفي حال وجود شطط سعري ينظم ضبط بالمخالف.
وحول عدم معرفة الضابطة التموينية برفع أسعار هذه المنتجات والعجز عن مخالفة أصحاب المحالات التي تبيعها، أكد مدير التسعير في مديرية التجارة الداخلية وحماية المستهلك بوجود حجم عمل كبير في المدينة والريف، بينما عدد المراقبين قليل جداً ولا يمكن تغطية جميع القطاعات والأسواق، وهنا لا بد من مساعدة المواطنين في تنظيم أحوال السوق عبر المبادرة إلى تقديم الشكاوي أو على الأقل الاتصال بالرقم 119 ليتم معالجتها بصورة فورية ومحاسبة المخالفين.