هاشتاغ-مازن بلال
زار المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، العاصمة السورية دمشق ضمن مهمة تائهة داخل الوضع الدولي الصعب، فالأزمة السورية التي وقفت على أبواب الخلافات بين موسكو والغرب لا تبدو في الأفق القريب أنها مجال دبلوماسي خصب، واللجنة الدستورية التي عقدت اجتماعاتها في “جنيف” تعطلت أعمالها نتيجة الصدام العالمي حول أوكرانيا، بينما بقيت مهمة “بيدرسون” حالة ضمن علاقات دولية تحتفظ بــ”مخلفات” زمن المناورات بين روسيا والولايات المتحدة.
في تصور أولي فإن سورية تحتاج لمهمة دولية مختلفة، فالحرب ليست فقط فض نزاعات و “بناء سلام” على السياق الأممي، إنما معالجة التداعيات الحادة التي تبدو آثارها في الشمال الشرقي لسورية كمثال أو حتى في الجنوب الذي يشهد اضطرابات في محافظة السويداء، وفي كلا الحالتين فإن المؤشر الرئيس أن الحرب لم تحسم على المستوى الدولي، أما محليا فإن ما جرى خلال أسابيع يطرح أمرين:
الأول يرتبط بالأزمة الاقتصادية وببعدها السياسي تحديدا، فبغض النظر عن المواقف من القرارات الحكومية أو الانتقادات الموجهة ضد السياسات العامة لدمشق، لكن الواضح أن الانغلاق السياسي فجّر الأزمات وأوجد حالة من عدم اليقين في القدرة على التحكم بالمسار العام للبلد.
أقرأ المزيد: سيناريوهات لحرب مختلفة
موضوع السويداء يحمل الكثير من الأبعاد وبعضها يرتبط بالمراحل المبكرة للاضطراب الذي ضرب سوريا، لكنه اليوم يأخذ شكلا آخر من المواجهة الباردة حيث تبدو الاحتجاجات وكأنها صورة مستفلة ترافقها حملة إعلامية من طرف واحد، فلا المجتمع الدولي متحمس لخوض جولة أخرى من الاضطراب ولا الحكومة السورية قادرة على إيجاد سياسات عامة تمكنها من تبريد تلك المنطقة الساخنة، فالاحتجاجات مُحاصرة بحكم الظرف الإقليمي بالدرجة الأولى، ويمكن أن تستمر لأشهر لكنها تبقى في مساحة من العلاقات الداخلية ضمن محافظة السويداء، وتداعياتها على خطورتها لن تشكل محورا ضمن الأزمة السورية نتيجة بعد دولي لا يرى في سوريا أولوية، وآخر محلي يرتبط بآليات الدولة السورية وممكناتها المتآكلة لتبديل الوضع الاقتصادي.
الأمر الثاني ظهر في الشمال الشرقي لسوريا، وهو لا يرتبط بخلافات بين العشائر وقسد فقط؛ فالأمر الجوهري هو في نوعية الإدارة الذاتية ضمن زمن مفتوح لا يحمل معه أغراضا سياسية، فالإدارة الذاتية ليست حالة مطلقة، والشمال الشرقي لسورية لا يمكن النظر إليه ضمن البعد الإداري فهناك قطع سياسي خلقه الزمن الطويل بين ظهور قسد وأحداث دير الزور.
أقرأ المزيد: الملفات السورية الباردة
ضمن تمثيل بسيط فإن ما جرى في محافظة دير الزور هو “فراغ سياسي” للإدارة الذاتية التي تحيل علاقاتها في المنطقة إلى “حاكم عسكري”، فالقوات الأمريكية تستوعب الفراغ السياسي ضمن عملية ضبط الإيقاع لمكونات المنطقة، وهو ما يفسر تباطؤها في التدخل وصولا لعملية “الإنهاك” حيث تقتنع الأطراف بضرورة العودة إليها، فالنموذج السياسي لقسد تعرض لفشل واضح مع غياب الإطار السياسي للإدارة الذاتية.
هناك زمن ضائع بين زيارة بيدرسون والحدث السوري، والجهد العبثي الذي أطلقته الجامعة العربية لدفع عمل اللجنة الدستورية يظهر عمليا في تفاقم الوضع بدل انفجاره، فالأزمة السورية ليست مسارا يمكن مواصلته رغم كل التغيرات، وتداعياتها تبدو أهم من المساحات الدبلوماسية التي تم فتحها سابقا وانتهت بحكم غياب التصور السياسي، والتحركات لتنشيط العملية السياسية ستبقى “زمنا ضائعا” في غياب هذا التصور أو إهماله عمدا.