الخميس, ديسمبر 12, 2024
- إعلان -spot_img

الأكثر قراءة

الرئيسيةخطوط حمربين الدستور والقانون والحوكمة.. القرار الناظم للعلاقة الوظيفية بين الأقارب

بين الدستور والقانون والحوكمة.. القرار الناظم للعلاقة الوظيفية بين الأقارب

رأي – أيهم أسد

صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 5/م. و تاريخ 3/2/2022 الناظم للعلاقة الوظيفية بين الأقارب، والذي لا يجوز بموجبه إشغال الوظيفة العامة من قبل أي شخص سواء كان بالتعيين أو الإسناد أو النقل أو الندب أو التكليف في ذات الجهة العامة أو الوحدة التنظيمية التابعة لها إذا كان فيها موظف آخر تربطه به رابطة القرابة أو المصاهرة حتى الدرجة الثانية، وذلك بدءا من مستوى وزير وانتهاء بمستوى أي عامل كان في تلك الجهات.

كما نص القرار على أنه ستتم معالجة الحالات الوظيفية القائمة حالياً كما يلي: في حال كانت المعالجة بتحديد مركز عمل العامل أو نقله خارج الجهة العامة، فيجب أن يتم النقل إلى مركز عمل لا يقل مستواه عن مستوى مركز العمل المنقول منه على أن تتوافر فيه شروط إشغاله ومطابقة بطاقة الوصف الوظيفي، وألا يكون هذا النقل إلى خارج المحافظة.

وقد استندت وزارة التنمية الإدارية على هذا القرار السابق (وغيره من التشريعات) فيما يتعلق بقرارها رقم (81) تاريخ 7/2/2022 بخصوص المسابقة المركزية المعلن عنها والتي ألزمت من خلالها المتقدم للمسابقة بتقديم تصريح خطي بعدم وجود رابطة قرابة أو مصاهرة مع المراكز الوظيفية المذكورة سابقاً في قرار رئيس مجلس الوزراء.

وفي مناقشة هذا القرار يمكن لنا طرح النقاط الآتية:

أولاً: ينص دستور الجمهورية العربية السورية في مادته (26-2) على أن المواطنين متساوون في تولي وظائف الخدمة العامة، ويحدد القانون شروط توليها وحقوق وواجبات المكلفين فيها (نظم قانون العاملين الأساسي تلك الشروط والحقوق والواجبات)، كما ينص الدستور في مادته (33-4) على أن الدولة تكفل مبدأ تكافؤ الفرص للمواطنين.

ثانياً: بناء على المادتين الدستوريتين السابقتين كفل الدستور عدم حرمان أي مواطن من فرصته في التعيين بعمل أو الانتقال لعمل أو التكليف بعمل لأي سبب كان، وكفل لكل مواطن الفرصة ذاتها مع باقي المواطنين في فرص العمل تعييناً أو إسناداً او نقلاً أو ندباً أو تكليفاً، وبالتالي لا يمكن لأي مرسوم أو قانون أو قرار أو تعميم أن يخالف مبادئ الدستور وأن يحرم أي مواطن من “فرصته” لإشغال الوظيفة العامة بسبب وجود صلة قرابة من أي درجة كانت بينه وبين أي موظف آخر في تلك الجهة وأن يعطي الفرصة نفسها لموظف آخر يتمتع بالمؤهلات ذاتها.

ثالثاً: نظم قانون العاملين الأساسي في الدولة في المادة (5) منه تقسيم الوظائف حسب الشهادات وكيفية شغل كل وظيفة تحت مسمى الشهادات والمؤهلات المطلوبة للتعيين، كما نظم في المادة (7) منه الشروط العامة للتعيين في أي من الوظائف، و نظم في المادة ( منه إجراءات وأصول التعيين لكل فئة من فئات التوظيف، ولم يشترط قانون العاملين أبداً في تلك المواد عدم إشغال الوظائف العامة بأنواعه كافة بسبب وجود أي درجة قرابة أو مصاهرة بين الموظفين الجدد أو القائمين على رأس عملهم، وبالتالي لا يمكن لأي قرار أو تعميم أن يخالف ما ورد في القانون.

رابعاً: إذا كان هدف القرار هو الحد من الفساد، فإن الفساد في الوظيفة العامة لم يرتبط يوماً ولن يرتبط بوجود موظفين لهم درجة قرابة أو مصاهرة حتى أي درجة كانت وفي أي جهة عامة أو وحدة تنظيمية داخل الجهة العامة، ذلك لأن الفساد في الوظيفة العامة هو “منظومة متكاملة” تنشأ وتدار بناء على تقاطعات المصالح الفردية بين الموظفين بغض النظر عن درجة القرابة بينهم، فالمصلحة الشخصية والنفعية هي درجة القرابة الوحيدة بين الفاسدين.

خامساً: للفساد في الوظيفة العامة عوامل كثيرة مؤثرة فيها إما سلباً باتجاه زيادته أو إيجاباً باتجاه الحد منه، منها سيادة القانون على الجميع، قوة تطبيق القانون، مدى انتشار الشفافية والمساءلة، مستوى دخل الموظف، شدة الانتماء الوظيفي لمكان العمل، قوة حس المواطنة، ومستوى الأخلاق الشخصية للموظف.

سادساً: قد يحرم وجود درجة القرابة تلك الجهة العامة من كفاءات وخبرات بسبب وجود أشخاص من ذوي القربى لهم في الجهات العامة أو الوحدات التنظيمية التابعة لها، وقد يفسح المجال للأقل خبرة وكفاءة للوصول إلى الوظيفة بسبب عدم وجود درجات قربى، وبالتالي فإن أسباب القربى طردت أسباب الكفاءة من الجهة العامة.

سابعاً: كيف يمكن لنا حرمان مواطن من حق التقدم لوظيفة عامة تناسب اختصاصه ومؤهلاته بسبب وجود شخص تربطه به قرابة أو مصاهرة وهو موظف في الجهة العامة أو الوحدة التنظيمية نفسها منذ خمسة عشر عاماً مثلاً؟ الشخص الموظف أخذ فرصته سابقاً ومن حق أي شخص أن يأخذ فرصته حالياً.

ثامناً: هناك المئات، وربما الآلاف في المحافظات والمدن السورية من ذوي الشهداء المدنيين والعسكريين وذوي الجرحى المستفيدين من مسابقات التوظيف والمعينين معاً في ذات الجهة العامة أو ذات الوحدة التنظيمية أو حتى الراغبين الآن بالتوظف في ذات الجهة العامة أو الوحدة التنظيمية فهل سيتم استبعاد أحدهم من مكان العمل أو سيتم عدم توظيف أحد منهم في المكان ذاته؟

تاسعاً: تقتضي مبادئ حوكمة الإدارة العامة أن لا يكون أصحاب المصالح أو ذوي القربى موجود في دائرة صنع القرار ذاتها كأن لا يكونوا موجودين معاً في مجلس إدارة المؤسسة أو في لجنة مالية أو لجنة مشتريات أو في لجنة مقابلات، أو غيرها، وهنا لابد من إبعاد أحدهم عن مركز صنع القرار أياً كان صغيراً، أما أن يتم حرمانه من فرص إشغال للوظيفة العامة أو نقله خارج مكان عمله بناء على معيار القرابة فهو غير وارد أبداً حسب مبادئ الحوكمة.

عاشراً: لحوكمة الإدارة العامة مرتكزات أكثر قوة مما ذكر سابقاً منها مثلاً الإفصاح والشفافية وسيادة القانون والمساءلة والمشاركة والنزاهة وجودة التشريعات والقرارات، بحيث يؤدي توافر تلك العوامل في الجهة العامة إلى تحسين أدائها وإلى تعزيز الثقة بالأداء الحكومي من قبل المواطنين، وبالتالي فإن حوكمة الإدارة العامة ليس غاية بحد ذاته بقدر ما هو وسيلة للسيطرة على الفساد وتحقيق العدل والمساواة في تقديم الخدمة العامة للمواطنين كافة.

أحد عشر: لم تقم رئاسة مجلس الوزراء من خلال موقعها الإلكتروني أو من خلال أي متحدث باسمها أو من خلال النشر في أحد الصحف الرسمية بتقديم أي تفسير للمواطنين عن أسباب صدور ذلك القرار عملاً بمبدأ الشفافية الحكومية والتشاركية المجتمعية، وخاصة أنه يوجد على موقع رئاسة مجلس الوزراء الإلكتروني نافذة اسمها “شارك برأيك” ونافذة اسمها “منبر المواطن”.

لتصلك أحدث الأخبار يمكنك متابعة قناتنا على التلغرام

مقالات ذات صلة