في غارة جوية إسرائيلية مدمرة يوم الجمعة الماضية، تم اغتيال حسن نصر الله، الأمين العام لـ “حزب الله” اللبناني، ما أحدث صدمة كبرى ليس فقط في لبنان، ولكن أيضًا في طهران، حيث كانت إيران قد دعمت حزب الله لعقود طويلة.
ومع استشهاد نصر الله، يبدو أن موقف إيران أصبح في وضع صعب، ما دفع إلى انقسام داخلي في الحكومة الإيرانية حول كيفية الرد على هذا الهجوم الإسرائيلي، خاصة في ظل التوترات المستمرة في المنطقة.
دعم إيران لحزب الله.. 40 عاماً من التعاون
منذ أربعين عاماً، كانت إيران توفر الدعم الكامل لحزب الله، الذي يعتبر الجسر الدفاعي أمام “إسرائيل”.
وكانت إيران ترى في حزب الله، الذي تأسس في الثمانينات، بمثابة القوة الأساسية التي تقف في وجه الاحتلال الإسرائيلي، وتعزز نفوذها في لبنان والمنطقة.
وفي الأسابيع الأخيرة، بدأت قدرة حزب الله على المناورة والانتصار تتآكل، إثر الهجمات الإسرائيلية على قياداته، ترسانته، واتصالاته العسكرية.
وبلغت الضربة ذروتها مع اغتيال نصر الله، وهو الحدث الذي لم يعكس فقط انتكاسة كبيرة في قدرة الحزب على متابعة عملياته، ولكن أيضاً ألقى بظلاله على الاستراتيجية الإيرانية في المنطقة.
انقسام إيراني حول الرد على اغتيال نصر الله
لم يكن اغتيال نصر الله لم يكن مجرد ضربة قوية لحزب الله، بل أحدث أيضاً انقساماً حاداً داخل الحكومة الإيرانية بشأن كيفية الرد.
وحسبما نقلت صحيفة “نيويورك تايمز”، فإن هذا الحادث أثار حالة من الحيرة بين بعض الإيرانيين، الذين طالبوا برد فعل قوي وفوري على الهجوم الإسرائيلي، وبين المعتدلين، الذين يدعون إلى ضبط النفس وعدم الانزلاق إلى حرب شاملة.
من جانبه، أفاد أربعة مسؤولين إيرانيين مطلعين على التفاصيل أن المرشد الإيراني علي خامنئي كان في حالة حداد بعد اغتيال نصر الله.
ورغم حزنه على فقدان صديقه المقرب، اتخذ خامنئي موقفاً هادئاً، حيث وبدلاً من إصدار تصريحات هجومية ضد “إسرائيل”، أصدر بيانين متحفظين، أشاد فيهما بنصر الله وأكد على التزام إيران بالوقوف إلى جانب حزب الله في هذه الأزمة.
خامنئي: دعم حزب الله هو الرد
في تصريحاته الرسمية، شدد خامنئي على أن حزب الله هو الذي سيقود أي رد على “إسرائيل”، مشيراً إلى أن إيران ستقوم بدور داعم فقط.
وقال خامنئي: “إن كل قوى المقاومة تقف إلى جانب حزب الله، وسوف يكون حزب الله، على رأس قوى المقاومة، هو الذي سيحدد مصير المنطقة”.
هذه التصريحات حملت رسائل متضاربة، إذ يرى البعض أن خامنئي يعترف بعدم قدرة إيران على الرد الفعال على الهجوم الإسرائيلي في الوقت الحالي.
حيث يبدو أن طهران، التي تعاني من ضغوط اقتصادية واستراتيجية، قد تكون اختارت الخيار الأكثر تحفظاً، وهو الحفاظ على الذات وعدم التورط في حرب شاملة قد تضر بمصالحها الحيوية.
المخاوف الإيرانية من التصعيد الإسرائيلي
في طهران، كان هناك قلق شديد وسط كبار المسؤولين العسكريين والسياسيين من أن “إسرائيل” قد تستغل الوضع الحالي لشن هجوم مباشر على إيران نفسها.
إذ تساءل المسؤولون الإيرانيون في اجتماعات طارئ ومكالمات هاتفية مع صحيفة “نيويورك تايمز” عن احتمال أن تكون “إسرائيل” قد وضعت خامنئي على رأس قائمة أهدافها التالية بعد نصر الله.
وبالرغم من ذلك، فإن الإيرانيين يدركون أن تصعيد الصراع مع “إسرائيل” قد يقود إلى حرب إقليمية شاملة، وهو أمر ليس في مصلحة طهران في الوقت الراهن.
انقسام داخلي حول الخيارات العسكرية
كما نقلت الصحيفة، فإن الموقف داخل المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني كان منقسماً بشأن كيفية الرد على اغتيال نصر الله.
فقد دعا بعض المسؤولين المحافظين، مثل سعيد جليلي، إلى توجيه ضربة فورية إلى “إسرائيل” لإرساء الردع، معتبرين أن هذا هو الوقت المناسب للرد قبل أن يوسع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو نطاق الحرب إلى طهران.
في المقابل، جادل المعتدلون، بقيادة الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان، ضد هذا التصعيد، مشيرين إلى أن الرد العسكري قد يؤدي إلى حرب إقليمية واسعة، ما قد يتسبب في أضرار جسيمة لإيران، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية والضغوط الداخلية.
أولويات إيران.. تعزيز استقرار حزب الله
وبعد الهجوم الإسرائيلي على نصر الله، أشار مسؤولون في الحرس الثوري الإيراني إلى أن الأولوية الفورية لإيران هي تعزيز استقرار حزب الله ومساعدته على التعافي من الضربة الكبيرة التي تلقاها.
وفي هذا السياق، قال العضوان في الحرس الثوري إن إيران تخطط لإرسال قائد كبير من فيلق القدس إلى بيروت عبر سوريا لمساعدة الحزب على استعادة تنظيمه وإعادة بناء شبكة اتصالاته الميدانية.
وأضاف المسؤولون أن إيران تسعى لتحديد خليفة نصر الله في قيادة الحزب وتشكيل هيكل قيادي جديد يتيح لحزب الله العودة إلى عمله العملياتي ضد “إسرائيل”، في وقت تأمل فيه طهران أن يعزز هذا من قدرة الحزب على الرد في المستقبل.