سامر ضاحي
تعتبر الاختبارات الفصلية “المذاكرات” من أهم الملاحم التي تتطلب استنفاراً عائلياً دورياً يفوق أي تحضير لأي ملحمة وطنية أخرى، وتكاد تكون من الملاحم التي يتفق السوريون على أهميتها.
وباعتباري من المقلين بالمشاركة في هذا العرس الوطني أردت بالأمس ملامسة تحضيرات ولدي “المناضل” في الصف الخامس الابتدائي لاختبار مادة “الدراسات الاجتماعية”، قررنا أن نلعب لعبة الحظ، وفتحنا الكتاب عشوائياً لتطل علينا الصفحة الثانية والثمانون بعنوان “القانون حضارة”، وفي منتصف الصفحة تمرين يشجع الطالب على التفكير بـ: “النتائج المحتملة للحادث المروري”؛ و”الحلول المقترحة لتجنبها”.
كانت الإجابات التقليدية لولدي حول “النتائج” تتمحور حول الأضرار المادية والبشرية، فاندفعت للاتصال بعدد من الاصدقاء والمعارف من “السلك المدرسي” لاستبيان آرائهم بالإجابات المحتملة، إلا أنها جميعاً لم تحد عن منطق التفكير بالأضرار المادية والبشرية، وأياً منهم لم يفطن للأضرار والآثار الاجتماعية.
لا لوم هنا على المدرّس/ـة ولا على الكتاب فقط، بل اللوم قد يقع على أكثر من جهة او طرف بمن فيهم الثقافة العامة ومحدداتها السلوكية التي تبعدنا عن منطق التفكير بالأضرار الاجتماعية وما تتطلبه من تفكير بحلول شاملة وجذرية للمشكلات، حفزت ولدي على التفكير قليلاً بمراجعة مقدمة الكتاب التي تقول بأن الكتاب “يعزز الروابط المجتمعية بدراسة الأحداث التاريخية ضمن سياق وطني، إذ يعالج قضايا وظواهر حياتية على قدر من الأهمية كالهجرة والمشكلات السكانية”، حتى استنتج أن من أهم الأضرار هي ما قد يسببه الحادث من شجار أو عراك وصولاً إلى إحداث قطيعة بين أطراف الحادث، قد لا يسهل إعادة وصلها لاحقاً، وعدم الثقة بالشرطي ومؤسسة الشرطة وبالدولة لاحقاً فيما لو تم محاباة أحد الأطراف على حساب أطراف أخرى..إلخ.
وعند الانتقال للحلول المقترحة رأينا أنها تسهم في حفظ تماسك المجتمع وتطور علاقات أفراده، فالالتزام بالإشارات والشاخصات المرورية لا يعبر عن احترام القانون فقط، بل يعبر عن احترام الفرد لمجتمعه، وعن ديمقراطية باحترامه لحق الآخرين بالعبور وفي تبادل الأدوار (وقوف – سير).
إذا ما أخذنا بالاعتبار ما يقدمه الكتاب من فرص في كثير من مواقعه يمكن استثمارها للنهوض بالواقع التربوي والتعليمي رغم ما يعانيه هذا القطاع من تردٍّ بسبب الواقع الاقتصادي، لم لا نفكر ضمن الإمكانيات بمشروع وطني قائم على تطوير التربية قبل التعليم؟!
لم لا نعزز أيضاً الشعور بالمسؤولية الاجتماعية لدى الطلاب؟!. لم لا يكون التركيز على المقاصد التي يستهدفها مثل هذا الكتاب بهدف إعادة لم شمل السوريين في المجتمع وبناء جسور التواصل مع من هم خارجه او ضيوفاً فيه؟! ا سيما وأن دمج موضوعات بناء السلام وحل النزاعات والعدالة الاجتماعية في المنهاج المدرسي يمكن أن يمكّن الطلاب من التفكير بشكل نقدي حول التحديات المجتمعية المعقدة وإلهامهم لاتخاذ إجراءات إيجابية نحو إنشاء مجتمع أكثر انسجاماً.