قامت البنوك المركزية في العالم وبعد الأزمة المالية العالمية بفتح خزائنها على وسعها لمنع وقوع الاقتصادات في مزيد من الكساد وكان ذلك باستخدام أسعار فائدة منخفضة وتدابير نقدية واسعة في محاولة لتحفيز نشاط الأعمال.
وقد أبقت البنوك المركزية على أسعار الفائدة المنخفضة لسنوات في وجه التعافي الاقتصادي الضعيف إلا أنها أعادت ضخ الأموال بكثافة خلال جائحة كورونا فأعاد “الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي” تخفيض أسعار الفائدة لتقارب الصفر ولم يرفعها حتى مارس/آذار 2022.
ساعد ذلك على تمويل فترة من النمو الاستثنائي في الأسواق المالية الأميركية باستثناء بعض التراجعات الحادة التي شهدتها في بداية جائحة كورونا في 2020.
ما هي نتائج تلك السياسة؟
وكانت من نتائج السياسة السابقة أن ارتفع سوق الأسهم الأميركية بما يتجاوز 580 بالمائة بعد الأزمة المالية عام 2008 وظهر هذا الارتفاع في شكل مكاسب للأسعار ومدفوعات توزيعات الأرباح.
كما أدى لزيادة هائلة في أعباء الديون على الشركات والدول بسبب زيادة اقتراضها، فمن 2007 إلى 2020 زادت نسبة الدين الحكومي كحصة في الناتج المحلي الإجمالي عالمياً من 58 بالمائة إلى 98 بالمائة.
وشهدت ديون الشركات غير المالية كحصة من الناتج المحلي الإجمالي ارتفاعاً مفاجئاً من 77 بالمائة إلى 97 بالمائة.
دور المستثمرين في الأزمة
وبحثاً عن عائدات أعلى من عائدات أصول الدين الآمنة مثل سندات الخزانة المطروحة أغرق المستثمرون الشركات بالأموال النقدية فاشتروا سندات من شركات عالية المخاطر تدفع عائدات أعلى وغضوا النظر عن انخفاض جودتها الائتمانية.
ورغم المديونية المتزايدة ظل التضخم تحت السيطرة في أغلب الاقتصادات المتقدمة وفي الولايات المتحدة الأميركية نادراً ما بلغ معدل 2 بالمائة وهو المعدل الذي استهدفه “الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي”.
دور الحرب الروسية الأوكرانية
جاء التضخم قوياً في 2021 مع تراجع قيود الجائحة بينما استمر تعطل سلاسل التوريد العالمية فتفاقم التضخم في 2022 مدفوعاً بنقص الطاقة وغزو روسيا لأوكرانيا، إذ تجاوز معدل 9 بالمائة في الولايات المتحدة و10 في أوروبا في أوروبا.
ومن ثم بدأت البنوك المركزية وفي مقدمتها “الاحتياطي الفيدرالي” في رفع أسعار الفائدة بأسرع وتيرة في أكثر من 4 عقود حيث هدفت إلى إبطاء النمو من خلال خفض طلب المستهلكين على أمل أن تنخفض الأسعار بدورها أيضاً.
دور الفدرالي الأمريكي
رفع “الاحتياطي الفيدرالي” سقف سعر الفائدة الذي يستخدمه لإدارة الاقتصاد والمعروف باسم “سعر الفائدة على الأموال الفيدرالية” من 0,25 بالمائة إلى 4 بالمائة ما بين مارس/آذار ونوفمبر/تشرين الثاني عام 2022.
بعد بدء الزيادات في أسعار الفائدة تدهورت سوق الأسهم الأميركية بنحو 25 بالمائة واستعد المستثمرون للتباطؤ الاقتصادي المرجح أن تسببه الارتفاعات في أسعار الفائدة.
وتركزت المعاناة في القطاع التقني بالأخص، حيث ارتفعت أسعار الأسهم وشهدت أسعار السندات أكبر انخفاض لها في عقود، وأدى توقع إصدارات جديدة تجلب عائدات أعلى لانخفاض قيمة السندات الحالية منخفضة العائد.
ما التأثير على المصارف؟
عندما تراجعت قيمة السندات تراجعاً حاداً بدأ عملاء من شركات التقنية في سحب الودائع لتعويض التباطؤ في استثمارات رأس المال الجريء الذي أصاب القطاع.
ونتيجة لذلك أُجبر “إس في بي” على بيع قدر كبير من محفظته بخسارة قدرها 1.8 مليار دولار، وتسببت أنباء هذه الخسارة في سحب جماعي للودائع أغلبها غير مؤمن عليه ما أدى لإغلاق المصرف في 10 مارس/ آذار وبدء الأزمة المالية.