هاشتاغ-نضال الخضري
لا شيء مهم عندما يتعلق الأمر بـ”إنجاز” لا يمكن رصده بمقاييس واضحة، أو لا نستطيع جني فائدة قادرة على تسليط الأضواء على ابتساماتنا بعد أن نلوح بشارة النصر.
فعندما ترتبط أفعالنا بحالة شغف خاص تهرب الكاميرات والتحقيقات الصحفية باتجاه وجوه أخرى تهوى تحويلنا لمستهلكي خدمات..
فماذا سينفع لو أننا تابعنا قمة “تحول التعليم” التي كانت سورية حاضرة فيها، وهل يمكن لتوصياتها أن تصبح مادة إعلامية أو حتى علامات داخل صفحات التواصل؟
السؤال ليس مهما لأننا نتلمس في كل يوم ما يحيطنا من أخبار، وما يرافقنا من بؤس معرفي، فالمسألة ربما لا تعني مشاركة سوريا بالقمة بقدر كونها انعكاس صور متفرقة لشوارع دمشق، ولأجيال تمارس واجب الحضور والانصراف، أو ربما لأولياء أمور يستمعون لحملات إعلامية حول الالتزام بالمدارس، في وقت تبدو الحياة لوحة باهتة يصعب “الالتزام” بمتابعتها، فالحياة المدرسية ليست عبئا ثقيلا بل تجاوز لكل ما اعتدناه في ثقافتنا، فـ”العلم نورٌ” هي من منسيات الآباء، ومن مساحات مخفية للأمهات.
نحن والتعليم رواية اكتملت فصولها منذ زمن بعد أن تفوقت ضرورات الحياة على المعرفة، وبعد أن تحولت المدارس إلى “ميلودراما” لذروة الوصول إلى تحصيل علامة في الشهادة الثانوية، ونحن مع التعليم بصراع لتغيير وتبديل المناهج، لكن لم نستطع الوصول إلى مساحة جديدة في المعرفة، فهناك “شغف” انتهى مع لحظات مجابهة الحقيقة؛ عندما تصبح سوق العمل بقوانينها متفوقة على أي نظام تعليمي، ليس في سوريا بل في الكثير من دول العالم.
في شغف المعرفة علاقة تربط المعلم مع الأجيال، لكنها في نفس الوقت أصبحت منذ ستينيات القرن علما مستقلا، فـ”البيداغوجيا” نشأت في الزمن الذي كان فيه العالم يتسارع نحو معارف غير مألوفة، وهو اليوم يصل إلى ذروة جديدة بسيطرة الذكاء الصُنعي على مفاصل سوق العمل، وربما لا حاجة لاجتراح الجمل الطويلة أو المواضيع الإنشائية لأن التعليم أصبح علاقة مركبة مع الحياة.
قمة تحويل التعليم خرجت بتوصيات لم تظهر على الإعلام إنما يمكن تقصيها عبر تفاصيل متناثرة، فهناك حق الأطفال وعلى الأخص الإناث بالحصول على التعليم، وتدريب الأساتذة ليصبحوا ميسرين أكثر منهم مدرسين، وهذا البند يوحي بأن التعلم عن بعد سيكون سمة عامة، وأن العالم الافتراضي سيشكل بنية المعرفة، وبغض النظر عن جدلية هذا الموضوع لكنه مرتبط أساسا بتوصيات القمة حول التحول الرقمي، وأما البند الرابع فيرتبط بمكافحة العنف بالمدارس وأخيرا ضمان مسائل التمويل، والغريب أن كل التوصيات تبدو مألوفة ولا جديد فيها لكنها في نفس الوقت تستدعي مقاربة حول الفجوة المعرفية التي نشهدها أمامنا اليوم، وربما في شوارع مدننا، مع توصيات تتحول سريعا في ذاكرتنا إلى شعارات وهذا “التحول” هو انعكاس لعقود من التلقين في المدارس عوضا عن خلق فضول البحث.
لا يمكن البحث عن حلول قبل أن نقتنع بأننا معنيون بالحياة، وهذه الحياة تتطلب رفع شغف الأجيال بها، فوسط المرارة من الحرب وفقدان الأمل ومراقبة “قوارب الموت” هناك حياة يجب أن تظهر، وربما تدفع الأجيال إلى تغيير الاتجاه الذي اعتدنا عليه، فالشغف الجديد هو رغبة الأجيال الجديدة بالحياة وبكسر طوق المعرفة القديمة والتجربة القديمة التي تتحكم بهم.