هاشتاغ-رأي مازن بلال
يتحدث الرئيس الأمريكي المنتخب عن إنهاء الحرب في المنطقة، في وقت تنشغل فيه دوائر صنع القرار “الإسرائيلي” بمسألة وقف إطلاق النار في جنوب لبنان، وعلى الرغم من كثرة التصريحات الإعلامية، فإن آلية السلام ما زالت مفقودة.
مسألة “إسرائيل” ليست “إشكالية” علاقتها مع محيطها فقط بل هي مرسومة وفق التوازنين الدولي والإقليمي منذ عام 1948م، فالسلام والحرب لا يعبران عن جوهر الصراع إنما عن إدارة الأزمات وفق المنطق الدولي، وفي الوقت الذي بدأت فيه ملامح تسويات في منتصف السبعينيات بين مصر و “إسرائيل” فإن التوترات لم تستمر فقط، بل وصلت إلى احتلال بيروت عام 1982م، وفي جوهر هذه المعارك ديناميكية مختلفة يصعب على “أوهام السلام” أن تتعامل معها.
عمليا فرئيس الوزراء “الإسرائيلي”، بنيامين نتنياهو، يدرك هذه الديناميكية وهو لا يختلف عن باقي صناع الحرب “الإسرائيليين”، فالتسويات كانت “شراء للوقت” أو تجزئة للجبهات، بينما دفع “إسحق رابين” الثمن الباهظ في محاولته رسم تصور للسلام يتجاوز الخطوط الحمراء، فاغتياله كان الصورة الأمثل عن صراع المفاهيم الذي خاضته “إسرائيل” خلال تلك الفترة ووصل في النهاية إلى تنحية “التيار المؤسس” لها لصالح أقصى اليمين.
الخروج عن ديناميكية الصراع أدى في حالات عدة إلى اندلاع عنف مختلف، سواء بـ “الاغتيالات” أم بتبدل بُنى المقاومة وهو ما يحدث اليوم، إذ تبدو غزة مساحة مفتوحة لواقع مختلف لن يحمل معه سلاما بالطرائق المطروحة دبلوماسيا، فالإنهاك الاجتماعي لم يؤدِ سابقا إلى تكريس علاقة جديدة بين “إسرائيل” ومحيطها، وما شهدناه سابقا هو تحول في ديناميكية العلاقة والعنف في المنطقة، وعلى السياسة أن تتعامل مع هذا الأمر تعاملاً مختلفاً لأن مسار السلام يحتاج إلى مساحات سياسية مختلفة كليا.
إن “انهيار إسرائيل”، في حال حدث، سيشكل سابقة لانهيار الأسلوب الليبرالي عموما في معالجة الأزمات، فهي شكلت على مدى العقود نموذج الاختراق السياسي في منطقة صعبة يصفها الأوروبيون بالطائفية والاستبداد، والسلام الذي يتم رسمه قائم على هذه الرؤية الغربية التي لا تستطيع وضع تسويات من دون حالة انحياز لنموذجها، وفي الوقت نفسه ترى في معادلة القوة المفروضة في الشرق الأوسط جزءا من التوازن الضامن للمركزية الأوروبية سابقا والأطلسية حاليا.
أوهام السلام بنظر ترامب تنطوي على رسم سياسي يرتكز إلى الدور المحوري للسلام ضمن الدائرة الجغرافية الثانية لـ”إسرائيل”، فهو يأمل بعلاقات بينها وبين الرياض بالدرجة الأولى، وهذا الأمر يملك بيئة تجعله ممكنا، ولكنه لا يحمل أي جديد على صعيد “الأمن الإسرائيلي“، فأي سلام لا يعتمد على مسألة الضفة الغربية وقطاع غزة كشريكين في رسم المعادلة الإقليمية سيفشل عمليا في كتابة فصل جديد من الأمن الإقليمي عموما، فالمسألة ليست في حل الدولتين المرفوض “إسرائيليا” بل بما هو أبعد من ذلك بجعل الضفة والقطاع ضمن توازن القوة مع “إسرائيل” وهو أمر يبدو مستحيلا لكن بوابة كسر كل المعادلات التي خلقت التوتر طوال أكثر من سبعة عقود.